للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ، أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً لِمَالِكِ الْأَصْلِ، نَحْوُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَائِعِ وَلَا يَشْتَرِطُهَا الْمُبْتَاعُ، فَيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِثَمَرَةِ نَخْلَتِهِ، فَيَبِيعَهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي، فَيَصِحُّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا. وَلِأَنَّهُ إذَا بَاعَهَا لِمَالِكِ الْأَصْلِ حَصَلَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْكَمَالِ؛ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِأُصُولِهَا وَقَرَارِهَا، فَصَحَّ، كَبَيْعِهَا مَعَ أَصْلِهَا. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ.

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الثَّمَرَةَ خَاصَّةً، وَالْغَرَرَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ أَصْلًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُصُولُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا مَعًا، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنَى بِالْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْغَرَرَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ أَصْلًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَفِيمَا إذَا بَاعَهُمَا مَعًا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ تَبَعًا، وَيَجُوزُ فِي التَّابِعِ مِنْ الْغَرَرِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْمَتْبُوعِ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالْحَمْلِ مَعَ الشَّاةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ بَاعَهُ الثَّمَرَ، بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، صَحَّ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ.

[فَصْلٌ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ]

(٢٨٩٩) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ عَلَى الْأُصُولِ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُزْهِيَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ.» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْدِلُ عَنْ الْقَوْلِ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ، جَازَ، كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ بَاعَهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ تُبَاعُ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ. وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، جَازَ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ، فَهُوَ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ.

وَإِذَا اشْتَدَّ حَبُّ الزَّرْعِ، جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ: حَتَّى يَبْيَضَّ. فَجَعَلَ ذَلِكَ غَايَةَ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ، «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» . وَلِأَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ حَبُّهُ بَدَا صَلَاحُهُ، فَصَارَ كَالثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا. وَإِذَا اشْتَدَّ شَيْءٌ مِنْ حَبِّهِ، جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ نَوْعِهِ، كَالشَّجَرَةِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.

[فَصْلٌ اعْتَرَفَ لِرَجُلِ بِزَرْعِ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ بِعِوَضِ]

(٢٩٠٠) فَصْلٌ: ذَكَره الْقَاضِي فِي الصُّلْحِ قَالَ: وَإِذَا اعْتَرَفَ لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ بِعِوَضٍ، صَحَّ فِيمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ، وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ فِيهِ. وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ زَرْعًا فِي يَدِ آخَرَ، فَأَقَرَّ لَهُمَا بِهِ، فَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ حَقِّهِ مِنْهُ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ، لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْقَطْعَ، أَوْ أَطْلَقَ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>