للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمَا قَالَا: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ الْكَافِرَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَغْتَسِلَ لَمَّا غَسَّلَ أَبَاهُ.» وَلَنَا قَوْلُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الرَّازِيّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ غُسْلُ آدَمِيٍّ فَلَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ كَغُسْلِ الْحَيِّ، وَحَدِيثُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ يَثْبُتُ، وَلِذَلِكَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ حَمَلُهُ. وَقَدْ ذُكِرَ لِعَائِشَةِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَمَنْ حَمَلِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ " قَالَتْ: وَهَلْ هِيَ إلَّا أَعْوَادٌ حَمَلَهَا، ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ حَمْلِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ غَسَّلَ أَبَا طَالِبٍ، إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي. قَالَ: فَأَتَيْته فَأَخْبَرْته، فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْت.» وَقَدْ قِيلَ: يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْكَافِرِ الْحَيِّ. وَلَا نَعْلَمُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً تُوجِبُهُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ.

[فَصْلٌ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ]

(٢٩٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنْ الْإِغْمَاءِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ فِي نَفَسِهِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْغُسْلِ، وَوُجُودُ الْإِنْزَالِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا نَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ مِنْهُمَا الْإِنْزَالَ فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ احْتِلَامٍ، فَيَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ الْمُوجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ مِنْ جَمِيعِ مَا نَفَيْنَا وُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْهُ؛ لِوُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.

[مَسْأَلَةُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُشْرِكِ إذَا غَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْمَاءِ]

(٢٩٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَالْمُشْرِكُ إذَا غَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَهُوَ طَاهِرٌ) أَمَّا طَهَارَةُ الْمَاءِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَاسَةٌ، فَإِنَّ أَجْسَامَهُمْ طَاهِرَةٌ، وَهَذِهِ الْأَحْدَاثُ لَا تَقْتَضِي تَنْجِيسَهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَرَقَ الْجُنُبِ طَاهِرٌ، ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>