للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَلِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْبَائِعُ مَنْفَعَتَهُ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ مِلْكُ الْمَبِيعِ وَمَنَافِعِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ يُنَافِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ جَارِيَةً، وَيَشْتَرِطُ أَنْ تَخْدِمَهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ.

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ خِدْمَةِ الْجَارِيَةِ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي خِدْمَتَهَا أَبَدًا، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ. الثَّانِي، أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهَا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا، فَيُفْضِي إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، وَالْخَطَرِ بِرُؤْيَتِهَا، وَصُحْبَتِهَا، وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ مُنِعَ إعَارَةَ الْجَارِيَةِ الشَّابَّةِ لِغَيْرِ مَحْرَمِهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَطَ رُكُوبًا إلَى مَكَان قَرِيبٍ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ إلَى مَكَان بَعِيدٍ كُرِهَ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ. وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ» . وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْت حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ «قَالَ: فَبِعْته مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ، قَالَ: قُلْت: عَلَى أَنَّ لِي ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَلَك ظَهْرُهُ إلَى الْمَدِينَةِ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ.» وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ قَدْ تَقَعُ مُسْتَثْنَاةً بِالشَّرْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً، أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً، أَوْ أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَجَازَ أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، وَلَمْ يَصِحَّ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ»

، فَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ.

[فَصْلٌ بَاعَهُ أَمَةً وَاسْتَثْنَى وَطْأَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً]

(٢٩٢١) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَهُ أَمَةً، وَاسْتَثْنَى وَطْأَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] ، وَفَارَقَ اشْتِرَاطَ وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ نُبِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ مَمْلُوكَةٌ، فَيُسْتَبَاحُ وَطْؤُهَا بِالشَّرْطِ فِي الْمَحَلِّ الْمَمْلُوكِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، أَنَّهُ لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

[فَصْلٌ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَاةَ مَنْفَعَتُهَا]

(٢٩٢٢) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَاةَ مَنْفَعَتُهَا، صَحَّ الْبَيْعُ، وَتَكُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَاةً أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>