للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ أُجْرَة الْكَيَّال وَالْوَزَّان فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُون عَلَى الْبَائِع]

(٢٩٥٣) فَصْلٌ وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَقْبِيضَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، وَالْقَبْضُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَكَانَ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا أَنَّ عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ سَقْيَهَا، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الَّذِي يَعُدُّ الْمَعْدُودَاتِ. وَأَمَّا نَقْلُ الْمَنْقُولَاتِ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

[فَصْلٌ الْقَبْضُ قَبْلَ نَقُدْ الثَّمَن وَبَعْده بِاخْتِيَارِ الْبَائِعِ وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ]

فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْقَبْضُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ بِاخْتِيَارِ الْبَائِعِ، وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، فَمَتَى وُجِدَ بَعْدَهُ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، كَقَبْضِ الثَّمَنِ.

[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى مَا يَحْتَاج إلَى قَبَضَهُ]

(٢٩٥٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) قَدْ ذَكَرْنَا الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، وَالْخِلَافَ فِيهِ. وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ إذَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالسَّلَمِ، وَلَمْ أَعْلَمْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْبَتِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ بِالسُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ الْمُجْمِعَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.

وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاحْتَجُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ.» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ.» وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ، قَالَ: انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوهُ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوهُ» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَغَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ، أَوْ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ، فَنَأْخُذُ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ، وَنَبِيعُهَا بِالدَّنَانِيرِ، فَنَأْخُذُ بَدَلَهَا الدَّرَاهِمَ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ.

وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>