للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوَايَةٌ أُخْرَى؛ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَجْرِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ عُقُوبَةٍ، أَوْ مَالٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا.

وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرُدُّهَا، وَمَعَهَا أَرْشٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ: نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهَا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حُكُومَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: مَهْرُ مِثْلِهَا. وَحُكِيَ نَحْوُ قَوْلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَخَ صَارَ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، لِكَوْنِ الْفَسْخِ رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ مَعْنَى لَا يُنْقِصُ عَيْنَهَا، وَلَا قِيمَتَهَا، وَلَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ، فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، كَالِاسْتِخْدَامِ، وَكَوَطْءِ الزَّوْجِ. وَمَا قَالُوهُ يَبْطُلُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ، وَوَطْءُ الْبِكْرِ يُنْقِصُ ثَمَنَهَا. وَقَوْلُهُمْ: يَكُونُ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، لَا مِنْ أَصْلِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ، وَلَا يُوجِبُ رَدَّ الْكُسْبِ، فَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي مِلْكِهِ.

[فَصْلٌ اشْتَرَى مُزَوِّجَة فَوَطِئَهَا الزَّوْج]

(٣٠٠٣) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى مُزَوَّجَةً، فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الرَّدَّ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي، فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَطْءِ السَّيِّدِ. وَقَدْ اسْتَحْسَنَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ وَطْءِ السَّيِّدِ. وَإِنْ زَنَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْهَا، فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا حُكْمُ الزِّنَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.

[فَصْلٌ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْسَاك الْمَعِيب وَأَخَذَ الْأَرْش]

(٣٠٠٤) الْفَصْلُ الْخَامِسُ؛ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْسَاكَ الْمَعِيبِ، وَأَخْذَ الْأَرْشِ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلَّا الْإِمْسَاكُ، أَوْ الرَّدُّ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ، إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِمُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ الْخِيَارَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ، أَوْ الرَّدِّ. وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّدَّ، فَلَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، كَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ.

وَلَنَا، أَنَّهُ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ. وَلِأَنَّهُ فَاتَ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعِوَضِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، فَبَانَتْ تِسْعَةً، أَوْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ فَأَمَّا الْمُصَرَّاةُ فَلَيْسَ فِيهَا عَيْبٌ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْخِيَارَ بِالتَّدْلِيسِ، لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَرْشًا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ عَلَيْهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَعْنَى أَرْشِ الْعَيْبِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا، ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعِيبًا، فَيُؤْخَذُ قِسْطُ مَا بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>