للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إهْمَالُ الْعَيْبِ، وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ تَلِفَ الْحَلْيُ، فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ، وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ؛ فَإِنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَسْخِ.

وَعِنْدِي، أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا فَسَخَ، وَجَبَ رَدُّ الْحَلْيِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ بِتَلَفٍ أَوْ عَجْزٍ، وَلَيْسَ فِي رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِهِ تَفَاضُلٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ زَالَتْ بِالْفَسْخِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُقَابِلٌ، وَإِنَّمَا هَذَا الْأَرْشُ بِمَنْزِلَةِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا زَادَتْ عَلَى وَزْنِهِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهُ، أَفْضَى إلَى التَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ عِوَضٌ عَنْهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِمَّا فِيهِ الرِّبَا بِمِثْلِهِ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا يَنْقُصُ قِيمَتَهُ دَوَّنَ كَيْلِهِ، لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ أَرْشِهِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّفَاضُلِ. وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَلْيِ بِالدَّرَاهِمِ.

[مَسْأَلَةٌ ظُهْر عَلَى عَيْب بَعْدَ إعْتَاقه لَهَا أَوْ مَوْتهَا فِي مِلْكه]

(٣٠٢٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ إعْتَاقِهِ لَهَا أَوْ مَوْتِهَا فِي مِلْكِهِ، فَلَهُ الْأَرْشُ) وَجُمْلَتُهُ، أَنَّهُ إذَا زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمَبِيعِ بِعِتْقٍ، أَوْ وَقْفٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ، لَاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، فَلَهُ الْأَرْشُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْمَقْتُولِ خَاصَّةً: لَا أَرْشَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ، وَالْبَيْعُ لَنَا فِيهِ مَنْعٌ، وَمَعَ تَسْلِيمِهِ فَإِنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ فِيهِ. وَأَمَّا الْهِبَةُ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ إمْكَانِ الرَّدِّ؛ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ إلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ لَهُ الْأَرْشُ وَهِيَ أَوْلَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي غَيْرهَا؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَهُ، وَإِمْكَانُ الرَّدِّ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ عِنْدَنَا؛ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْهِبَةِ.

وَإِنْ أَكَلَ الطَّعَامَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، فَأَتْلَفَهُ، رَجَعَ بِأَرْشِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ الْعَيْنَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ. وَلَنَا أَنَّهُ مَا اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ، وَلَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

(٣٠٢٤) فَصْلٌ: وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي؛ لِقَوْلِهِ فِي مَنْ بَاعَ الْمَعِيبَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ: لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَ الْمَبِيعِ، وَالْمُطَالَبَةَ بِأَرْشِهِ، وَهَذَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إمْسَاكِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهِ.

وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوفِهِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>