للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا صَادَفَ الرَّقَبَةَ الْمَعِيبَةَ، وَالْجُزْءُ الَّذِي أَخَذَ بَدَلَهُ مَا تَنَاوَلَهُ عِتْقٌ، وَلَا كَانَ مَوْجُودًا، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ، إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، جُعِلَ مُقَابِلًا لِلْجُزْءِ الْفَائِتِ، فَلَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْمَبِيعِ، رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلِهَذَا رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، لَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ.

وَكَلَامُ أَحْمَدَ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، يُحْمَلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، لَا عَلَى وُجُوبِهِ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِهَا، كَالْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا. وَلَنَا، أَنَّهُ أَرْشُ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ، فَكَانَ لَهُ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِعِتْقِهِ.

[مَسْأَلَةٌ الْمُتَبَايِعِينَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَيْب]

(٣٠٢٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَكَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الْأَرْشُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ، هَلْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ عِنْد الْمُشْتَرِي؟ لَمْ يَخْلُ مِنْ قِسْمَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنْ لَا يَحْتَمِلَ إلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا، كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَالشَّجَّةِ الْمُنْدَمِلَةِ، الَّتِي لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهَا، وَالْجُرْحِ الطَّرِيِّ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ قَدِيمًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَدَّعِي ذَلِكَ، بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ، وَكَذِبَ خَصْمِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِحْلَافِهِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَحْتَمِلَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ وَالرَّفْوِ، وَنَحْوِهِمَا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ، وَاسْتِحْقَاقُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلُزُومُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ.

وَالثَّانِيَةُ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، إنْ أَجَابَ إنَّنِي بِعْتُهُ بَرِيئًا مِنْ الْعَيْبِ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ، عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الرَّدِّ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا عَلَى الْبَتِّ، لَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.

[فَصْلٌ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ ظُهْر الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ كَانَ بِهِ]

(٣٠٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ كَانَ بِهِ، فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَأَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ، وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّدَّ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>