للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ.

وَأَمَّا الْبَائِعُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ. (٣٠٥٠) فَصْلٌ وَإِذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِثَمَنِ السِّلْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، لَمْ تَتَغَيَّرْ، أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يُجَزِّئْهُ، وَيُخْبِرُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَا غَيْرُ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، لَا يَكُونُ عِوَضًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ، وَيُخْبِرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَحِقَ بِالْعَقْدِ، وَأَخْبَرَ بِهِ فِي الثَّمَنِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. فَإِنْ تَغَيَّرَ سِعْرُهَا دُونَهَا، فَإِنْ غَلَتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِيهَا وَإِنْ رَخُصَتْ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِدُونِ الْإِخْبَارِ بِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ، لَمْ يَرْضَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَكِتْمَانُهُ تَغْرِيرٌ بِهِ. فَإِنْ أَخْبَرَ بِدُونِ ثَمَنِهَا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالتَّغْرِيرِ. فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا، أَنْ تَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ، وَهِيَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ تَزِيدَ لِنَمَائِهَا، كَالسَّمْنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ يَحْصُلُ مِنْهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ، وَالْكَسْبِ، فَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً، أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ.

وَإِنْ أَخَذَ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ، أَوْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ، أَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ، أَخْبَرَ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَبْيِينُ الْحَالِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَبْيِينُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْغَلَّةِ يَأْخُذُهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَفِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ.

وَلَنَا أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ بِالْمُشْتَرِي، فَجَازَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ بِدُونِ ذِكْرِهِ، كَالْغَلَّةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ. النَّوْعُ الثَّانِي، أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا عَمَلًا، مِثْلُ أَنْ يَقْصُرَهَا، أَوْ يَرْفُوَهَا، أَوْ يُجَمِّلَهَا أَوْ يَخِيطَهَا، فَهَذِهِ مَتَى أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ، سَوَاءٌ عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يُبَيِّنُ مَا اشْتَرَاهُ وَمَا لَزِمَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ فِيمَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأُجْرَةَ إلَى الثَّمَنِ، وَيَقُولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا. لِأَنَّهُ صَادِقٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّافِعِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>