للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ، فَلَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ، كَأَعْضَائِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالرَّطْبَةِ. وَفَارَقَ الْأَعْضَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْحَيَوَانِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَتَرَكَهُ حَتَّى طَالَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّطْبَةِ إذَا اشْتَرَاهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى طَالَتْ.

[فَصْلٌ بَيْع مَا تَجْهَل صِفَته]

(٣٠٩٦) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا تَجْهَلُ صِفَتَهُ كَالْمِسْكِ فِي الْفَأْرِ، وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ. قَالَ الشَّاعِرُ

إذَا التَّاجِرُ الْهِنْدِيُّ جَاءَ بِفَأْرَةٍ ... مِنْ الْمِسْكِ رَاحَتْ فِي مَفَارِقِهِمْ تَجْرِي

فَإِنْ فَتَحَ وَشَاهَدَ مَا فِيهِ، جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِلْجَهَالَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي فَأْرِهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحْفَظُ رُطُوبَتَهُ وَذَكَاءَ رَائِحَتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ يَبْقَى خَارِجَ وِعَائِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَتَبْقَى رَائِحَتُهُ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مَسْتُورًا، كَالدُّرِّ فِي الصَّدَفِ وَأَمَّا مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، فَإِخْرَاجُهُ يُفْضِي إلَى تَلَفِهِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي بَيْعِهِ مَعَ وِعَائِهِ، كَالتَّفْصِيلِ فِي بَيْعِ السَّمْنِ فِي ظَرْفِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْبَيْضُ فِي الدَّجَاجِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا؛ لِلْجَهْلِ بِهِمَا. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا نَذْكُرُهُ.

[فَصْلٌ بَيْع الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ]

(٣٠٩٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ، بِالذَّوْقِ إنْ كَانَ مَطْعُومًا، أَوْ بِالشَّمِّ إنْ كَانَ مَشْمُومًا، صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، جَازَ بَيْعُهُ، كَالْبَصِيرِ، وَلَهُ خِيَارُ الْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ، إلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْمَبِيعِ، إمَّا بِحِسِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ أَوْ وَصْفِهِ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ شِرَاؤُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، لَزِمَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ بَيْعُ الْمَجْهُولِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ رَآهُ بَصِيرًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَغَيَّرُ الْمَبِيعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْبَيْضِ فِي الدَّجَاجِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>