للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ، وَكَانَ قَرْضُهُ حَظًّا لِلْيَتِيمِ، جَازَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُقْرِضُ مَالَ الْيَتِيمِ لَأَحَدٍ يُرِيدُ مُكَافَأَتَهُ، وَمَوَدَّتَهُ، وَيُقْرِضُ عَلَى النَّظَرِ، وَالشَّفَقَةِ، كَمَا صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ.

وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّ عُمَرَ اسْتَقْرَضَ مَالَ الْيَتِيمِ. قَالَ: إنَّمَا اسْتَقْرَضَ نَظَرًا لِلْيَتِيمِ، وَاحْتِيَاطًا، إنْ أَصَابَهُ بِشَيْءٍ غَرِمَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَمَعْنَى الْحَظِّ أَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فِي بَلَدِهِ، فَيُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَيُقْرِضُهُ مِنْ رَجُلٍ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، لِيَقْضِيَهُ بَدَلَهُ فِي بَلَدِهِ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ حِفْظَهُ مِنْ الْغَرَرِ فِي نَقْلِهِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مِنْ نَهْبٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ يَكُونُ مِمَّا يَتْلَفُ بِتَطَاوُلِ مُدَّتِهِ، أَوْ حَدِيثُهُ خَيْرٌ مِنْ قَدِيمِهِ، كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا، فَيُقْرِضُهُ خَوْفًا أَنْ يُسَوِّسَ، أَوْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَيَجُوزُ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لِلْيَتِيمِ فِيهِ حَظٌّ فَجَازَ، كَالتِّجَارَةِ بِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إرْفَاقَ الْمُقْتَرِضِ، وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْيَتِيمِ، فَلَمْ يَحُزْ كَهِبَتِهِ. وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ السَّفَرَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِمَالِهِ، وَقَرْضُهُ لِثِقَةٍ أَمِينٍ أَوْلَى مِنْ إيدَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَقْرِضُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَهُ إيدَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ، جَازَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا رَأَى الْإِيدَاعَ أَحْظَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ، فَلَا يَكُونُ مُفَرِّطًا. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: لَهُ قَرْضُهُ. فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ، لِيَأْمَنَ جُحُودَهُ، وَتَعَذُّرَ الْإِيفَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ الرَّهْنِ، جَازَ تَرْكُهُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ يَسْتَقْرِضُهُ مِنْ أَجَلِ حَظِّ الْيَتِيمِ، أَنَّهُ لَا يَبْذُلُ رَهْنًا، فَاشْتِرَاطُ الرَّهْنِ يُفَوِّتُ هَذَا الْحَظَّ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْرِضُهُ إذَا أَخَذَ بِالْقَرْضِ رَهْنًا. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْرِضُهُ إلَّا بِرَهْنٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْمَالِ، وَحِفْظًا لَهُ عَنْ الْجَحْدِ، وَالْمَطْلِ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَخْذُهُ، احْتِيَاطًا عَلَى الْمَالِ، وَحِفْظًا لَهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ؛ لِتَقْرِيطِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ الرَّهْنَ.

[فَصْلٌ هَلْ يَجُوز لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْله بِنَفْسِهِ]

(٣١٤٤) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ، وَفِي الْوَكِيلِ رِوَايَتَانِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْذَانُ، وَالْوَصِيُّ بِخِلَافِهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى الْوَلِيّ الْإِنْفَاق عَلَى الصَّبِيّ أَوْ عَلَى مَاله أَوْ عَقَاره بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَاله]

(٣١٤٥) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الصَّبِيِّ، أَوْ عَلَى مَالِهِ، أَوْ عَقَارِهِ، بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَقَارَهُ لِحَظِّهِ، أَوْ بِنَاءً لِمَصْلَحَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ تَلِفَ، قُبِلَ قَوْلُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يُمْضِي الْحَاكِمُ بَيْعَ الْأَمِينِ وَالْوَصِيِّ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الْحَظُّ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ وَالْجَدِّ. وَلَنَا أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ، وَشِرَاؤُهُ لِلْيَتِيمِ، يَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْحَظِّ، كَالْأَبِ وَالْجَدِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>