للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّفْرِيطِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَقَارِ، كَالْأَبِ.

وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، فَادَّعَى أَنَّهُ لَاحَظَ لَهُ فِي الْبَيْعِ، لَمْ يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ: أَنْفَقْت عَلَيْك مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَقَالَ الْغُلَامُ: مَا مَاتَ أَبِي إلَّا مُنْذُ سَنَتَيْنِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغُلَامِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاةُ وَالِدِهِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي أَمْرٍ لَيْسَ الْوَصِيُّ أَمِينًا فِيهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ.

[فَصْلٌ لِلْوَصِيِّ الْبَيْع عَلَى الْغَائِب الْبَالِغ إذَا كَانَ مِنْ طَرِيق النَّظَر]

(٣١٤٦) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الْبَيْعُ عَلَى الْغَائِبِ الْبَالِغِ، إذَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الْبَيْعُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، إذَا كَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُشْتَرَكَةً فِي عَقَارٍ فِي قَسْمِهِ إضْرَارٌ، وَبِالصِّغَارِ حَاجَةٌ إلَى الْبَيْعِ، إمَّا لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ مُؤْنَةٍ لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ الْبَيْعُ، عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا هَذِهِ الصُّورَةَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لِلصِّغَارِ، وَاحْتِيَاطًا لِلْمَيِّتِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْكِبَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وِكَالَةٍ، وَلَا وِلَايَةٍ، فَلَمْ يَصِحُّ، كَبَيْعِ مَالِهِ الْمُفْرَدِ، أَوْ مَا لَا تَضُرُّ قِسْمَتُهُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا أَصِلَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَيُعَارِضُهُ أَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْكِبَارِ، بِبَيْعِ مَا لَهُمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ.

وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلَمْ يَحُزْ لَهُ بَيْعُ غَيْرِ الْعَقَارِ، كَالْأَجْنَبِيِّ.

[فَصْلٌ تَصْرِف الصَّبِيّ الْمُمَيَّز بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء فِيمَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيّ فِيهِ]

(٣١٤٧) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فِيمَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ. وَلِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ مِنْهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ التَّصَرُّفُ؛ لِخَفَائِهِ، وَتَزَايُدِهِ تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ، فَجَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ ضَابِطًا، وَهُوَ الْبُلُوغُ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَظِنَّةِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] . وَمَعْنَاهُ؛ اخْتَبِرُوهُمْ لِتَعْلَمُوا رُشْدَهُمْ. وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ اخْتِيَارُهُمْ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إلَيْهِمْ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ يُغْبَنَّ أَوْ لَا. وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، كَالْعَبْدِ. وَفَارَقَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ، فَإِنَّهُ لَا تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ بِتَصَرُّفِهِ؛ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ حَالُهُ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَقْلَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ. قُلْنَا: يُعْلَمُ ذَلِكَ بِآثَارِ وَجَرَيَانِ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى وَفْقِ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا يُعْلَمُ فِي حَقِّ الْبَالِغِ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ رُشْدِهِ، شَرْطُ دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، كَذَا هَاهُنَا. فَأَمَّا إنْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَقِفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمَبْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>