للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ، إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَبِيٍّ عُصْفُورًا، فَأَرْسَلَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

[مَسْأَلَةٌ مَا اسْتَدَانَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّل فِي اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ يَعْنِي أَخْذَهُ بِالدَّيْنِ]

(٣١٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ، فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ، فَإِنْ جَاوَزَ مَا اسْتَدَانَ قِيمَتَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَيَلْزَمُ مَوْلَاهُ جَمِيعُ مَا اسْتَدَانَ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ: (٣١٤٩) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، فِي اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ، يَعْنِي أَخْذَهُ بِالدَّيْنِ، يُقَالُ: أَدَانَ وَاسْتَدَانَ وَتَدَيَّنَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

يُؤَنِّبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا ... تَدَيَّنْتُ فِيمَا سَوْفَ يُكْسِبُهُمْ حَمْدَا

وَالْعَبِيدُ قِسْمَانِ، مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدَّيْنِ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقْتَرِضَ، أَوْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ، يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يَتْبَعُهُ الْغَرِيمُ بِهِ إذَا أَعْتَقَ وَأَيْسَرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، كَعِوَضِ الْخُلْعِ مِنْ الْأَمَةِ، وَكَالْحُرِّ.

الْقِسْمُ الثَّانِي، الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، أَوْ فِي الِاسْتِدَانَةِ، فَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، أَوْ بِرَقَبَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، قُضِيَتْ دُيُونُهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِرِضَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، أَشْبَهَ غَيْرَ الْمَأْذُونِ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاعُ إذَا طَالَبَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ. وَهَذَا مَعْنَاهُ، أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِرِضَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، فَيُبَاعُ فِيهِ، كَمَا لَوْ رَهَنَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَقَدْ أَغْرَى النَّاسَ بِمُعَامَلَتِهِ، وَأَذِنَ فِيهَا، فَصَارَ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُمْ: دَايِنُوهُ، أَوْ أَذِنَ فِي اسْتِدَانَةٍ، تَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ فِي التِّجَارَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، أَوْ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، مِثْلُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الْبُرِّ، فَاتَّجَرَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ التَّغْرِيرِ، إذْ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا.

[الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا لَزِمَ الْعَبْد مِنْ الدَّيْنِ مِنْ أُرُوشِ جِنَايَاته أَوْ قِيَمِ مُتْلَفَاته]

(٣١٥٠) الْفَصْلُ الثَّانِي، فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ، أَوْ قِيَمِ مُتْلَفَاتِهِ، فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ، مَأْذُونًا، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>