للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، فَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُهُ فَامْلَئُوا كَفَّهُ تُرَابًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نُهِيَ عَنْ اقْتِنَائِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، أَشْبَهَ الْخِنْزِيرَ، أَوْ حَيَوَانٌ نَجِسُ الْعَيْنِ، أَشْبَهَ الْخِنْزِيرَ. فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مِنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ، وَلَا كَلْبَ صَيْدٍ، وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا الْفَرْقَدَانِ

أَيْ وَالْفَرْقَدَانِ. ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مِنْ أَبَاحَ بَيْعَ غَيْرِ كَلْبِ الصَّيْدِ.

[فَصْلٌ إجَارَة الْكَلْب]

(٣١٥٤) فَصْلٌ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَجَازَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا، كَنَفْعِ الْحَمِيرِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُحَرَّمٌ بَيْعُهُ؛ لِخُبْثِهِ، فَحَرُمَتْ إجَارَتُهُ، كَالْخِنْزِيرِ. وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِضِرَابِ الْفَحْلِ، فَإِنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا، وَلِأَنَّ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ لَمْ تُبِحْ بَيْعَهُ، فَكَذَلِكَ إجَارَتُهُ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ، فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ مُدَّةً، لَمْ يَلْزَمْهُ لِذَلِكَ عِوَضٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ، كَنَفْعِ الْخِنْزِيرِ.

[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الَّذِي يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ]

(٣١٥٥) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الَّذِي يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهَا نَقْلٌ لِلْيَدِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَتَصِحُّ هِبَتُهُ؛ لِذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، أَشْبَهَتْ الْبَيْعَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ عِوَضُهُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.

[مَسْأَلَةٌ قَتْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ]

(٣١٥٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مُعَلَّمٌ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ) أَمَّا قَتْلُ الْمُعَلَّمِ فَحَرَامٌ، وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلْبٍ مُبَاحٍ إمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، فَحُرِّمَ إتْلَافُهُ، كَالشَّاةِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَلَا غُرْمَ عَلَى قَاتِلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَعَطَاءٌ: عَلَيْهِ الْغُرْمُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي تَحْرِيمِ إتْلَافِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>