للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، مَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ بَيْنَهُمْ مَشْهُورٌ كَكَانُونَ وَشُبَاطَ، أَوْ عِيدٍ لَا يَخْتَلِفُ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُمَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ إلَى غَيْرِ الشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ. أَشْبَهَ إذَا أَسْلَمَ إلَى الشَّعَانِينِ وَعِيدِ الْفَطِيرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا أَسْلَمَ إلَى فِصْحِ النَّصَارَى وَصَوْمِهِمْ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا يَخْتَلِفُ، أَشْبَهَ أَعْيَادَ الْمُسْلِمِينَ. وَفَارَقَ مَا يَخْتَلِفُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ الْمُسْلِمُونَ. الْقِسْمُ الثَّانِي، مَا لَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ، كَعِيدِ الشَّعَانِينِ وَعِيدِ الْفَطِيرِ وَنَحْوِهِمَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْرِفُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَلِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَهُ وَيُؤَخِّرُونَهُ عَلَى حِسَابٍ لَهُمْ لَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ. وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَا لَا يَخْتَلِفُ، مِثْلُ كَانُونِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَعْرِفُهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ.

[مَسْأَلَةٌ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَامَ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ]

مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ:

(مَوْجُودًا عِنْدَ مَحَلِّهِ) هَذَا الشَّرْطُ الْخَامِسُ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامَ الْوُجُودِ، لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، كَبَيْعِ الْآبِقِ، بَلْ أَوْلَى؛ فَإِنَّ السَّلَمَ اُحْتُمِلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، فَلَا يَحْتَمِلُ فِيهِ غَرَرٌ آخَرُ، لِئَلَّا يَكْثُرَ الْغَرَرُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ إلَى شُبَاطَ أَوْ آذَارَ، وَلَا إلَى مَحِلٍّ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِيهِ، كَزَمَانِ أَوَّلِ الْعِنَبِ أَوْ آخِرِهِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا نَادِرًا، فَلَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ.

[فَصْلٌ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ]

(٣٢٢٧) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُهُ وَانْقِطَاعُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إبْطَالُ السَّلَمِ إذَا أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا عَنْهُ ذَلِكَ؛ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ.

قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ أَسَلَفَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ دَنَانِيرَ فِي تَمْرٍ مُسَمًّى، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: مِنْ تَمْرِ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا، وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، فِي " الْمُتَرْجَمِ ". وَقَالَ: أَجْمَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>