للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ يُقِيمُ مَا فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ مُقَامَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ أَخْذِ الْعِوَضِ وَالْبَدَلِ عَنْهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

[فَصْلٌ أَخَذَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا بِالْمُسْلِمِ فِيهِ]

(٣٢٤٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَخَذَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا السَّلَمَ، أَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِزَوَالِ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ، وَبَرِئَ الضَّامِنُ، وَعَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحَالِ. وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ. وَلَوْ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى طَعَامٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِ، صَحَّ، وَزَالَ الرَّهْنُ، لِزَوَالِ دَيْنِهِ مِنْ الذِّمَّةِ، وَبَقِيَ الطَّعَامُ فِي الذِّمَّةِ، وَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، كَيْ لَا يَكُونَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، بَطَلَ الصُّلْحُ، وَرَجَعَ الْأَلْفُ إلَى ذِمَّته بِرَهْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ ثُمَّ عَادَ خَلًّا. وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ بِدَنَانِيرَ فِي ذِمَّتِهِ، فَالْحُكْمُ مِثْلُ مَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

[فَصْلٌ ضَمَان السَّلَم]

(٣٢٤٩) فَصْلٌ: وَإِذَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ السَّلَمِ، فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَأَيُّهُمَا قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ. فَإِنْ سَلَّمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ إلَى الضَّامِنِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ، جَازَ، وَكَانَ وَكِيلًا. وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَنْ الَّذِي ضَمِنْت عَنِّي. لَمْ يَصِحَّ، وَكَانَ قَبْضًا فَاسِدًا مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْأَخْذَ بَعْدَ الْوَفَاءِ، فَإِنْ أَوْصَلَهُ إلَى الْمُسْلِمِ، بَرِئَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ مَا سَلَّطَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ صَالَحَ الْمُسْلِمُ الضَّامِنَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِثَمَنِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا إقَالَةٌ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. وَإِنْ صَالَحَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِثَمَنِهِ صَحَّ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَذِمَّةُ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ هَذَا إقَالَةٌ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

[فَصْلٌ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ فِي السَّلَم]

(٣٢٥٠) فَصْلٌ: وَاَلَّذِي يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ، كُلُّ دَيْنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ، كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَاتِ، وَالْمَهْرِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالْقَرْضِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبِ، وَلَا مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ، كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، وَلَا يُعْلَمُ إفْضَاؤُهَا إلَى الْوُجُوبِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ جُنُّوا أَوْ افْتَقَرُوا أَوْ مَاتُوا، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَصِحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا.

فَأَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ، فَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ جَوَازُ أَخْذَ الرَّهْنِ بِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْيَسَارِ وَالْعَقْلِ. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالْجَعْلِ فِي الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ، وَلَا يُعْلَمُ إفْضَاؤُهُ إلَى الْوُجُوبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ، فَأَشْبَهَتْ أَثْمَانَ الْبِيَاعَاتِ. وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>