للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَازَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَتَبَ لَهُ بِهَا سَفْتَجَةً، أَوْ قَضَاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، جَازَ. وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ قَضَاهُ خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ زَادَهُ زِيَادَةً بَعْدَ الْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسِ، وَابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَأْخُذُ مِثْلَ قَرْضِهِ، وَلَا يَأْخُذُ فَضْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ فَضْلًا كَانَ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا، فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ. وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: «أَفْضَلُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَحَلَّتْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرْضٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا زَادَهُ بَعْدَ الْوَفَاءِ، فَعَادَ الْمُسْتَقْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مِنْهُ قَرْضًا ثَانِيًا، فَفَعَلَ، لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ، فَإِنْ أَخَذَ زِيَادَةً، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَعْطَاهُ، كَانَ حَرَامًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِحُسْنِ الْقَضَاءِ، لَمْ يُكْرَهْ إقْرَاضُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَطْمَعُ فِي حُسْنِ عَادَتِهِ. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعْرُوفًا بِحُسْنِ الْقَضَاءِ، فَهَلْ يَسُوغُ لَأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ إقْرَاضَهُ مَكْرُوهٌ،

وَلِأَنَّ الْمَعْرُوفَ بِحُسْنِ الْقَضَاءِ خَيْرُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ، وَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهِ، وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمَشْرُوطَةِ. وَلَوْ أَقْرَضَهُ مُكَسَّرَةً، فَجَاءَهُ مَكَانَهَا بِصِحَاحِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، جَازَ. وَإِنْ جَاءَهُ بِصِحَاحٍ أَقَلَّ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ، لَمْ يَجُزْ، قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ لِلنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِنْهُ، فَكَانَ رَبًّا.

[فَصْلٌ شَرَطَ فِي الْقَرْض أَنْ يُوفِيه أَنْقُص مِمَّا أُقْرِضَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرَّبَّا]

فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْقَرْضِ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَنْقَصَ مِمَّا أَقْرَضَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، لَمْ يَجُزْ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى فَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا هِيَ شَرْطٌ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ، يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ جُعِلَ لِلرِّفْقِ بِالْمُسْتَقْرِضِ، وَشَرْطُ النُّقْصَانِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَرْضَ يَقْتَضِي الْمِثْلَ، فَشَرْطُ النُّقْصَانِ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ. فَلَمْ يَجُزْ، كَشَرْطِ الزِّيَادَةِ.

[فَصْلٌ اقْتَرِضْ مِنْ رَجُل نِصْف دِينَار فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا صَحِيحًا وَقَالَ نِصْفه قَضَاء وَنِصْفه وَدِيعَة عِنْدَك]

(٣٢٦٦) فَصْلٌ: وَلَوْ اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا صَحِيحًا، وَقَالَ: نِصْفُهُ قَضَاءٌ، وَنِصْفُهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَك، أَوْ سَلَمًا فِي شَيْءٍ، صَحَّ. وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُقْرِضُ مِنْ قَبُولِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي الشَّرِكَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>