للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْشُ قِيمَتَهُ، بِيعَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا، بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، وَالْبَاقِي رَهْنٌ.

[فَصْلٌ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ]

(٣٢٩٢) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةِ تُوجَدُ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ الْعَيْنِ، أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ. وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةِ لَا تَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَيُفَارِقُ التَّدْبِيرُ التَّعْلِيقَ بِصِفَةِ تَحِلُّ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَمْنَعُ عِتْقَهُ بِالصِّفَةِ، فَإِذَا عَتَقَ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَالدَّيْنُ فِي الْمُدَبَّرِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ بِالتَّدْبِيرِ، وَيَقْدُمُ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ.

وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا عُلِمَ التَّدْبِيرُ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي، عَلَى مَا فُصِّلَ فِيهِ. وَمَتَى مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ، بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ، بَقِيَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ، بِيعَ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ، وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّدْبِيرِ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ، بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَعَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ.

[فَصْلٌ رَهْن الْمَكَاتِب]

(٣٢٩٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ شَرْطٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ رَهْنِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا يُؤَدِّيه مِنْ نُجُوم كِتَابَتِهِ رَهْنًا مَعَهُ، فَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ الرَّهْنُ فِيهِ وَفِي اكْتِسَابِهِ، وَإِنْ عَتَقَ كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ نُجُومِهِ رَهْنًا، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَسَبَ الْعَبْدُ الْقِنُّ، ثُمَّ مَاتَ.

(٣٢٩٤) فَصْلٌ: وَأَمَّا مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةِ تَحِلُّ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ، كَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ، وَمَحَلُّ الْحَقِّ آخِرُهُ، لَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، وَلَا اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ قَبْلَهَا، مِثْلُ أَنْ يُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِآخِرِ رَمَضَانَ، وَالْحَقُّ يَحِلُّ فِي أَوَّلِهِ، صَحَّ رَهْنُهُ؛ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، كَقُدُومِ زَيْدٍ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ رَهْنِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ مَحِلٌّ لِلرَّهْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَصَحَّ رَهْنُهُ، كَالْمَرِيضِ وَالْمُدَبَّرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَّرَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافٌ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ رَهْنُ الْجَارِيَةِ]

(٣٢٩٥) فَصْلٌ: وَيَحُوزُ رَهْنُ الْجَارِيَةِ دُونَ وَلَدِهَا، وَرَهْنُ وَلَدِهَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفْرِقَةٌ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ، وَالْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا، فَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهَا فِي الدَّيْنِ، بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْعَقْدِ مُمْكِنٌ، وَالتَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ، فَوَجَبَ بَيْعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>