للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهَا. فَإِذَا بِيعَا مَعًا، تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً، مَعَ أَنَّهَا ذَاتُ وَلَدٍ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسُونَ، فَحِصَّتُهَا ثُلُثَا الثَّمَنِ.

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ بِالْوَلَدِ، ثُمَّ عَلِمَ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ عَيْبٌ فِيهَا، لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِدُونِهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ حَالَ الْعَقْدِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ رَدَّهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ.

[فَصْلٌ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ]

(٣٢٩٦) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ بِالتَّجْفِيفِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ، كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ. ثُمَّ إنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَلَزِمَ الرَّاهِنَ، كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ، وَيَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ، إنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جَعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ رَهْنًا، سَوَاءٌ شَرَطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعَهُ أَوْ أَطْلَقَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ قَبْلَ مَحِلِّ الدَّيْنِ، فَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بَيْعَهُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ، صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ لَا يَقْتَضِيه عَقْدُ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَجِبْ، وَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهَيْنِ، كَالْقَوْلَيْنِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلَاكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ، حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَحِرْزِ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِرْزٍ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُبَاعَ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ، وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُجَفِّفَ مَا يَجِفُّ، أَوْ لَا يُنْفِقَ عَلَى الْحَيَوَانِ. وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ إنْ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ.

وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، بَاعَهُ الْحَاكِمُ، وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلَا يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا فَخَافَ تَلَفَهَا، أَوْ حَيَوَانًا وَخَافَ مَوْتَهُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يَخَافُ فَسَادَهَا، كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ، فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا.

[فَصْلٌ رَهْن الْعَصِيرِ]

(٣٢٩٧) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ رَهْنُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَتَعَرُّضُهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْمَالِيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ رَهْنِهِ، كَالْمَرِيضِ وَالْجَانِي. ثُمَّ إنْ اسْتَحَالَ إلَى حَالٍ لَا يَخْرُجُ فِيهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ، كَالْخَلِّ، فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ صَارَ خَمْرًا زَالَ لُزُومُ الْعَقْدِ، وَوَجَبَتْ إرَاقَتُهُ، فَإِنْ أُرِيقَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ. وَإِنْ عَادَ خَلًّا، عَادَ اللُّزُومُ، بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، كَمَا لَوْ زَالَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ. وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ، بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ إسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>