للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ صَرِيحِ الْإِذْنِ بِخِلَافِهِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَدَّدَ الْإِذْنَ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ؛ فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَفْتَقِرُ إلَى مُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَحْوٌ مِنْ هَذَا.

[فَصْلٌ أَتْلَفَ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَجْنَبِيّ]

(٣٣١٩) فَصْلٌ: وَلَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَجْنَبِيٌّ، فَعَلَى الْجَانِي قِيمَتُهُ، تَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلِ الرَّهْنِ، وَقَائِمَةٌ مَقَامَهُ، وَلَهُ إمْسَاكُ الرَّهْنِ وَحِفْظُهُ. فَإِنْ كَانَ الْمُتَرَاهِنَانِ أَذِنَا لَهُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ بَيْعَ قِيمَته؛ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَ نَمَاءِ الرَّهْنِ تَبِعَا لِلْأَصْلِ، فَالْقِيمَةُ أَوْلَى.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَا لَمْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ، وَالْمَأْذُونُ فِي بَيْعِهِ قَدْ تَلِفَ، وَقِيمَتُهُ غَيْرُهُ. وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، وَالْقِيمَةُ رَهْنٌ، يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَصْلِ، مِنْ كَوْنِهِ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهَا، وَإِمْسَاكَهَا، وَاسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا، فَكَذَلِكَ بَيْعُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي وَفَائِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، مَلَكَ إيفَاءَهُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الرَّهْنِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، فَأَشْبَهَتْ ثَمَنَ الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ أَذِنَ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن لِلْعَدْلِ فِي الْبَيْعِ وَعَيَّنَا لَهُ نَقْدًا]

(٣٣٢٠) فَصْلٌ: وَإِذَا أَذِنَا لِلْعَدْلِ فِي الْبَيْعِ، وَعَيَّنَا لَهُ نَقْدًا

، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُمَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْهُ بِدَرَاهِمَ. وَقَالَ الْآخَرُ: بِدَنَانِيرَ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ حَقًّا، لِلرَّاهِنِ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، وَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْمُرُ مَنْ يَبِيعُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يُوَافِقْ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا يَرَى الْحَظَّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ بَاعَهُ بِأَغْلَبِهِمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَبِيعُ بِمَا يُؤَدِّيه اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ الْأَحَظُّ، وَالْغَرَضُ تَحْصِيلِ الْحَظِّ، فَإِنْ تَسَاوَيَا، بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ، عَيَّنَ لَهُ الْحَاكِمُ مَا يَبِيعُهُ بِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ، وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْبَيْعِ نَسَاء، مَتَى خَالَفَ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ الْمُخَالِفَ

وَذَكَرَ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ هَاهُنَا لِإِيفَاءِ دَيْنٍ حَالِ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ، وَالْبَيْعُ نَسَاءً يَمْنَعُ ذَلِكَ. وَكَذَا نَقُولُ فِي الْوَكِيلِ، مَتَى وُجِدَتْ فِي حَقِّهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ نَسَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَرَائِنِ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَجَبَ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَلِلْمُرْتَهِنِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعَدْلِ وَالْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ قِيمَةَ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ، لَا رَهْنًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا

وَإِنْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ، رَجَعَ الرَّاهِنُ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَمَتَى ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ. لِأَنَّ الْعَيْنَ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>