للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْوَطْءِ، فَإِنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الرَّهْنِ بِالْحَمْلِ الَّذِي الْوَطْءَ الْمَأْذُونِ فِيهِ سَبَبٌ لَهُ. وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، فَلَا مَهْرَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لَهَا ابْتِدَاءً، فَلَا يَسْقُطُ بِإِذْنِ غَيْرِهَا. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ

وَلَنَا، أَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِهِ، وَهُوَ حَقُّهُ، فَلَمْ يَجِبْ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِهَا، وَلِأَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عِوَضُهَا، كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ أَكْرَهَهَا أَوْ طَاوَعَتْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ مَعَ الْمُطَاوَعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ، كَالْحُرَّةِ

وَلَنَا، أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْأَمَةِ وَإِذْنِهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا، وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِلسَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُهَا، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا، وَكَأَرْشِ بَكَارَتِهَا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا، وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِالْمُكْرَهَةِ عَلَى الْبِغَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا بِذَلِكَ، مَعَ كَوْنِهَا مُكْرَهَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]

وَقَوْلُهُمْ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ. قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْمَهْرُ لَهَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَجِبُ لَهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِسَيِّدِهَا، وَيُفَارِقُ الْحُرَّةَ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهَا، وَقَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِإِذْنِهَا، وَهَاهُنَا الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَأْذَنْ، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ بِإِكْرَاهِهَا، وَسُقُوطُهُ بِمُطَاوَعَتِهَا، فَكَذَلِكَ السَّيِّدُ هَاهُنَا، لَمَا تَعَلَّقَ السُّقُوطُ بِإِذْنِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا مُعْتَقِدًا لِلْحِلِّ، أَوْ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لَهُ، أَوْ ادَّعَى شُبْهَةً، أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ آدَمِي، فَلَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُرْتَهِنِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَسَوَاءٌ حَكَمْنَا بِرِقِّ الْوَلَدِ أَوْ حُرِّيَّته؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.

[مَسْأَلَةٌ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى]

(٣٣٤٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ مِنْ مُرْتَهِنِهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، فَإِنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ أَنْ يَفْدِيَهُ وَفَعَلَ، فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ، أَوْ عَلَى مَالِهِ، تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ، فَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ، وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ، فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الرَّهْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ. قُلْنَا: حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ، وَحَقُّ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَيْنِ، يَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا، فَكَانَ تَعَلُّقُهُ بِهَا أَخَفَّ وَأَدْنَى، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَلِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ اسْتِيفَاؤُهُ، فَإِنْ اقْتَصَّ سَقَطَ الرَّهْنُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>