للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْوَثِيقَةِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْوَثِيقَةِ، أَمَّا إذَا تَعَيَّبَ فَقَدْ رَدَّهُ، فَيَسْتَحِقُّ بَدَلَ مَا رَدَّهُ، وَهَاهُنَا لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُ بَدَلَهُ، لَأَوْجَبْنَا عَلَى الرَّاهِنِ غَيْرَ مَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ.

[فَصْلٌ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي بِرّهنَّ]

(٣٣٥٩) فَصْلٌ: وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ، فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي بِرَهْنٍ، وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، وَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ انْتِزَاعَهُ، وَلَا التَّصَرُّفَ فِيهِ، إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ بِعَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَمْلِكْ فَسْخَ الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ تَبَايَعَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ رَهْنًا عَلَى ثَمَنِهِ]

(٣٣٦٠) فَصْلٌ: وَإِذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ رَهْنًا عَلَى ثَمَنِهِ، لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَ شَرَطَ رَهْنَهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنَّهُ يَقْبِضُهُ ثُمَّ يَرْهَنُهُ، أَوْ شَرَطَ رَهْنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا حَبَسَ الْمَبِيعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ، فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَجَازَ رَهْنُهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ رَهْنًا غَيْرَ الْمَبِيعِ، فَيَكُونُ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّهْنَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ. فَأَمَّا شَرْطُ رَهْنِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِوُجُوهِ، مِنْهَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي إيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنُ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ مِنْهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ أَوَّلًا، وَرَهْنُ الْمَبِيعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ مَضْمُونًا، وَالرَّهْنُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا، وَهَذَا يُوجِبُ تَنَاقُضَ أَحْكَامِهِمَا.

وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ صِحَّةُ رَهْنِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. قُلْنَا إنَّمَا شَرَطَ رَهْنَهُ بَعْدَ مِلْكِهِ. وَقَوْلُهُمْ الْبَيْعَ يَقْتَضِي إيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ. غَيْرُ صَحِيحٍ، إنَّمَا يَقْتَضِي وَفَاءَ الثَّمَنِ مُطْلَقًا، وَلَوْ تَعَذَّرَ وَفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ لَاسْتُوْفِيَ مِنْ ثَمَنِهِ.

وَقَوْلُهُمْ: الْبَيْعُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ. مَمْنُوعٌ. وَإِنْ سُلِّمَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُثْبِتَ بِالشَّرْطِ خِلَافُهُ. كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ حُلُولُ الثَّمَنِ وَوُجُوبُ تَسْلِيمه فِي الْحَالِ، وَلَوْ شَرَطَ التَّأْجِيلَ جَازَ، وَكَذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَيَنْتَفِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.

فَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ رَهَنَهُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ عِنْدَهُ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ، فَصَحَّ رَهْنُهُ عَلَى ثَمَنِهِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِ الْبَيْعِ، انْبَنَى عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ جَازَ رَهْنُهُ، وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهُ.

[فَصْلٌ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا فَاسِدًا]

(٣٣٦١) فَصْلٌ: وَإِذَا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا فَاسِدًا كَالْمُحَرَّمِ، وَالْمَجْهُولِ، وَالْمَعْدُومِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ شَرَطَ رَهْنَ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ، فَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ، مَضَى تَوْجِيهُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>