للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْصُودَ مَعَ الْوَفَاءِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ مَفْقُودٌ وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلرَّاهِنِ، أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ، أَوْ تَوْقِيتَ الرَّهْنِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، أَوْ كَوْنَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، أَوْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ كَوْنَهُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ، فَهَذِهِ كُلّهَا فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ مِنْهَا مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ، وَلَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ.

وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا مِنْهَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْسُدَ الرَّهْنُ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ إنَّمَا بَذَلَ مِلْكَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، لِعَدَمِ الرِّضَى بِهِ بِدُونِهِ. وَقِيلَ: إنْ شَرَطَ الرَّهْنَ مُؤَقَّتًا، أَوْ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، فَسَدَ الرَّهْنُ. وَهَلْ يَفْسُدُ بِسَائِرِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.

وَنَصَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " صِحَّتَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» وَهُوَ مَشْرُوطٌ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ. وَلَمْ يُحْكَمْ بِفَسَادِهِ. وَقِيلَ: مَا يُنْقِصُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يُبْطِلُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا لَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ شَرَطَتْ لَهُ زِيَادَةٌ لَمْ تَصِحَّ لَهُ، فَإِذَا فَسَدَتْ الزِّيَادَةُ لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الرَّهْنِ.

[فَصْلٌ رَهْن الدِّين]

(٣٣٦٥) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى حَلَّ الْحَقُّ وَلَمْ يُوَفِّنِي فَالرَّهْنُ لِي بِالدَّيْنِ أَوْ: فَهُوَ مَبِيعٌ لِي بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك. فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْت: لِأَحْمَدْ مَا مَعْنَى قَوْله: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» ؟ قَالَ: لَا يَدْفَعُ رَهْنًا إلَى رَجُلٍ، وَيَقُولُ: إنْ جِئْتُك بِالدَّرَاهِمِ إلَى كَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عِنْدَ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَمَضَى الْأَجَلُ، فَقَالَ الَّذِي ارْتَهَنَ: مَنْزِلِي. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مَبِيعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ الْحَقَّ فِي مَحِلِّهِ، وَالْبَيْعُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ فَسَدَ الرَّهْنُ.

وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَفْسُدَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ " وَاحْتَجَّ بُقُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» فَنَفَى غَلْقَهُ دُونَ أَصْلِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ رَضِيَ بِرَهْنِهِ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ، فَمَعَ بُطْلَانِهِ أَوْلَى أَنْ يَرْضَى بِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ رَهْنٌ بِشَرْطِ فَاسِدٍ، فَكَانَ فَاسِدًا، كَمَا لَوْ شَرَطَ تَوَفَّيْته، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ.

[فَصْلٌ الرَّهْن بِشَرْطِ الزِّيَادَة فِي الْأَجَلِ]

(٣٣٦٦) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ الْغَرِيمُ: رَهَنْتُك عَبْدِي هَذَا، عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ. كَانَ بَاطِلًا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>