للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ، كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ شَيْءٌ مِنْ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ، وَلَا مِنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالْأَصْلِ، يُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ، فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهِ، كَحَقِّ الْجِنَايَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيًا مَخَاضًا، فَنَتَجَتْ، فَالنِّتَاجُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَخَالَفَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَالنَّمَاءُ غُنْمٌ، فَيَكُونُ لِلرَّاهِنِ. وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانِ مِلْكِ الرَّاهِنِ، لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا عَقْدَ رَهْنٍ فَلَمْ تَكُنْ رَهْنًا، كَسَائِرِ مَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حُكْمٌ يَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ بِعَقْدِ الْمَالِكِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّمَاءُ وَالْمَنَافِعُ، كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ، النَّمَاءَ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ، كَالْمُتَّصِلِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ فِي الْأُمِّ، ثَبَتَ بِرِضَى الْمَالِكِ، فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ. لَنَا عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ، فَسَرَى إلَيْهِ حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْوَلَدِ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؛ أَنَّهُ عَقْدٌ يَسْتَتْبِعُ النَّمَاءَ، فَاسْتَتْبَعَ الْكَسْبَ كَالشِّرَاءِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ. فَنَقُولُ بِهِ، وَأَنَّ غُنْمَهُ وَنَمَاءَهُ وَكَسْبَهُ لِلرَّاهِنِ، لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الرَّهْنِ، كَالْأَصْلِ، فَإِنَّهُ لِلرَّاهِنِ، وَالْحَقُّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ مَالِ الرَّاهِنِ، أَنَّهُ تَبَعٌ، فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ. وَأَمَّا حَقُّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ، فَلَمْ يَتَعَدَّ مَا ثَبَتَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ جَزَاءُ عُدْوَانٍ، فَاخْتَصَّ الْجَانِي كَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الرَّهْنِ لَا تُفْضِي إلَى اسْتِيفَاءِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، فَلَا يَكْثُرُ الضَّرَرُ فِيهِ.

[فَصْل هَلْ يَدْخُلُ الشَّجَرُ فِي رَهْنِ الْأَرْض]

(٣٣٧٦) فَصْلٌ: وَإِذَا ارْتَهَنَ أَرْضًا، أَوْ دَارًا، أَوْ غَيْرَهُمَا، تَبِعَهُ فِي الرَّهْنِ مَا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ، فَقَالَ: رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا. أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ فِي الرَّهْنِ، دَخَلَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَدْخُلُ الشَّجَرُ فِي الرَّهْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ رَهَنَهُ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَفِيهِ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ، لَمْ تَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ، كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً دَخَلَتْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي الرَّهْنِ بِحَالٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَدْخُلُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأُصُولِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَقَدْ قَصَدَ إلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَتَدْخُلُ الثَّمَرَةُ ضَرُورَةَ الصِّحَّةِ. وَلَنَا، أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، مَعَ قُوَّتِهِ، وَإِزَالَتِهِ لِمِلْكِ الْبَائِعِ، فَالرَّهْنُ مَعَ ضَعْفِهِ أَوْلَى، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الشَّجَرَةِ فَاسْتَتْبَعَ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ، كَالْبَيْعِ، وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ الْمَوْجُودَانِ، كَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ الْحَمْلُ وَسَائِرُ مَا بِيعَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَارِدٌ عَلَى الْعَيْنِ، فَدَخَلَتْ فِيهِ هَذِهِ التَّوَابِعُ كَالْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ دَارًا فَخَرِبَتْ، كَانَتْ أَنْقَاضُهَا رَهْنًا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>