للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَفْتَقِرُ الْفَسْخُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ فَسْخٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعِتْقِ الْأَمَةِ.

[فَصْلٌ خِيَارُ الرُّجُوعِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي]

(٣٤٠٧) فَصْلٌ: وَهَلْ خِيَارُ الرُّجُوعِ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، هُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّ رُجُوعٍ يَسْقُطُ إلَى عِوَضٍ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي، كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَالثَّانِي، هُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ لِنَقْصٍ فِي الْعِوَضِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَلِأَنَّ جَوَازَ تَأْخِيرِهِ يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ بِالْغُرَمَاءِ، لِإِفْضَائِهِ إلَى تَأْخِيرِ حُقُوقِهِمْ، فَأَشْبَهَ خِيَارَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. وَنَصَرَ الْقَاضِي هَذَا الْوَجْهَ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ.

[فَصْلٌ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ لِيَتْرُكهَا]

(٣٤٠٨) فَصْلٌ: فَإِنْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ لِيَتْرُكَهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَجُوزُ لِدَفْعِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ النَّقْصِ فِي الثَّمَنِ، فَإِذَا بُذِلَ بِكَمَالِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ مِنْ الْمَعِيبِ. وَلَنَا، الْخَبَرُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِدَفْعِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ، فَبَذَلَهَا غَيْرُهُ، أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَبَذَلَ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ، وَبِهَذَا يَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ، وَسَوَاءٌ بَذَلُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ خَصُّوهُ بِثَمَنِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَفِي هَذَا الْقَسَمِ ضَرَرٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَجَدُّدَ ثُبُوتِ دَيْنٍ آخَرَ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعُوا إلَى الْمُفْلِسِ الثَّمَنَ، فَبَذَلَهُ لِلْبَائِعِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَزَالَ مِلْكُ الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ حُقُوقَهُمْ عَنْهُ، فَمَلَكَ أَدَاءَ الثَّمَنِ. وَلَوْ أَسْقَطَ الْغُرَمَاءُ حُقُوقَهُمْ عَنْهُ، فَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، أَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ. فَأَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ مِنْهُ، أَوْ غَلَتْ أَعْيَانُ مَالِهِ، فَصَارَتْ قِيمَتُهَا وَافِيَةً بِحُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الثَّمَنِ كُلِّهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ؛ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى ثَمَنِ سِلْعَتِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْلِسْ.

[فَصْلٌ اشْتَرَى الْمُفْلِسُ سِلْعَةً بَعْد الْحَجْرِ عَلَيْهِ]

(٣٤٠٩) فَصْلٌ: فَإِنْ اشْتَرَى الْمُفْلِسُ مِنْ إنْسَانٍ سِلْعَةً بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ؛ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِثَمَنِهَا، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ لِتَعَذُّرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ ثَمَنُهَا مُؤَجَّلًا. وَلِأَنَّ الْعَالِمَ بِالْعَيْبِ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، فَأَشْبَهَ مَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْفَسْخِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ فَقِيرًا مُعْسِرًا بِنَفَقَتِهَا

وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ، إنْ بَاعَهُ عَالِمًا بِفَلَسِهِ فَلَا فَسْخَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الْفَسْخُ، كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ. وَيُفَارَقُ الْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ؛ لِكَوْنِ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>