للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهِ أَقُولُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ مَوْجُودَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ اخْتِلَاطِ مَالِهِ بِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ

وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ، وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ مَالِهِ، إنَّمَا يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ مَالِهِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ مَالُهُ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ» .

أَيْ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ، أَوْ كَانَتْ مَسَامِيرَ قَدْ سَمَّرَ بِهَا بَابًا، أَوْ حَجَرًا قَدْ بَنِي عَلَيْهِ، أَوْ خَشَبًا فِي سَقْفِهِ، أَوْ أَمَةً اسْتَوْلَدَهَا، وَهَذَا إذَا أَخَذَ كَيْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنَّمَا يَأْخُذُ عِوَضَ مَالِهِ، فَهُوَ كَالثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ. وَفَارَقَ الْمَصْبُوغَ، فَإِنْ عَيْنَهُ يُمْكِنُهُ أَخْذُهَا، وَالسَّوِيقُ كَذَلِكَ، فَاخْتَلَفَا.

[فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئًا فَعَمِلَ بِهِ مَا أَزَالَ اسْمَهُ]

(٣٤١٧) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ زَرَعَهَا، أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ، أَوْ زَيْتًا فَعَمِلَهُ صَابُونًا، أَوْ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا، أَوْ خَشَبًا فَنَجَّرَهُ أَبْوَابًا، أَوْ شَرِيطًا فَعَمِلَهُ إبَرًا، أَوْ شَيْئًا فَعَمِلَ بِهِ مَا أَزَالَ اسْمَهُ، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، بِهِ أَقُولُ، يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ، وَيُعْطِي قِيمَةَ عَمَلِ الْمُفْلِسِ فِيهَا؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ مَوْجُودَةٌ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ اسْمُهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَمَلًا فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ وَدِيًّا فَصَارَ نَخْلًا

وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَلِأَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ كَانَ نَوَى فَنَبَتَ شَجَرًا. وَالْأَصْلُ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[فَصْلٌ اشْتَرَى حَبًّا فَصَارَ زَرْعًا أَوْ زَرْعًا فَصَارَ حَبًّا]

(٣٤١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ حَبًّا فَصَارَ زَرْعًا، أَوْ زَرْعًا فَصَارَ حَبًّا، أَوْ نَوًى فَنَبَتَ شَجَرًا، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا

، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَسْقُطُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ نَفْسُ الْحَبِّ، وَالْفَرْخَ نَفْسُ الْبَيْضَةِ

وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ فَأَخَذَ قِيمَتَهُ. وَلِأَنَّ الْحَبَّ أَعْيَانٌ ابْتَدَأَهَا اللَّهُ تَعَالَى، لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ أَعْيَانُ الزَّرْعِ وَالْفَرْخِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، وَاشْتَرَى بَذْرًا وَمَاءً، فَزَرَعَ، وَسَقَى، وَاسْتَحْصَدَ، وَأَفْلَسَ، فَالْمُؤَجَّرُ وَبَائِعُ الْبَذْرِ وَالْمَاءِ غُرَمَاءُ، لَا حَقَّ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>