للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. فَإِنْ شَهِدَ الْغُرَمَاءُ لِلْمُفْلِسِ، لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ نَفْعًا. وَإِنْ شَهِدُوا لِلْبَائِعِ، وَهُمْ عُدُولٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ

الضَّرْبُ الرَّابِعُ، أَفْلَسَ بَعْدَ أَخْذِ الثَّمَرَةِ، أَوْ ذَهَبَتْ بِجَائِحَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، رَجَعَ الْبَائِعَ فِي الْأَصْلِ، وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُفْلِسِ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ. وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ فِي الْأَرْضِ، وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْمُفْلِسِ، فَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِأَخْذِهِ قَبْلَ أَوَانِ الْحَصَادِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي أَرْضِهِ بِحَقِّ، وَطَلْعُهُ عَلَى الشَّجَرِ بِحَقِّ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُهُ، قَبْلَ كَمَالِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْأَصْلَ وَعَلَيْهِ الثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَ فِي أَرْضِهِ زَرْعًا تَجِبُ تَبْقِيَتُهُ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّبْقِيَةِ، أَوْ الْقَطْعِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ قَطْعَهُ، وَبَعْضُهُمْ تَبْقِيَتُهُ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ مَقْطُوعًا، أَوْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةً، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ سَفَهٌ. وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَثِيرَةً، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، فَإِنَّ فِي تَبْقِيَتُهُ غَرَرًا، وَلِأَنَّ طَالِبَ الْقَطْعِ إنْ كَانَ الْمُفْلِسَ فَهُوَ يَقْصِدُ تَبْرِئَةَ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغُرَمَاءَ فَهُمْ يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَ حُقُوقِهِمْ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهُمْ

وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِي، يُنْظَرُ إلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لِجَمِيعِهِمْ، وَالظَّاهِرُ سَلَامَتُهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُزْرَعَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ. إنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقَطْعِ الْغُرَمَاءَ، وَجَبَتْ إجَابَتُهُمْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ حَالَّةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ تَأْخِيرُهَا مَعَ إمْكَانِ إيفَائِهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَهُ الْمُفْلِسَ دُونَهُمْ، وَكَانَ التَّأْخِيرُ أَحَظَّ لَهُ، لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِتَأْخِيرِ حُقُوقِهِمْ لِحَظٍّ يَحْصُلُ لَهُمْ وَلِلْمُفْلِسِ، وَالْمُفْلِسُ يَطْلُبُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ بِنَفْسِهِ، وَمَنْعٌ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِالتَّأْخِيرِ، فَلَا يَلْزَمُ الْغُرَمَاءَ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ.

[فَصْلٌ أَقَرَّ الْغُرَمَاءُ بِأَنَّ الزَّرْعَ أَوْ الطَّلْع لِلْبَائِعِ]

(٣٤٢٨) فَصْلٌ: إذَا أَقَرَّ الْغُرَمَاءُ بِأَنَّ الزَّرْعَ أَوْ الطَّلْعَ لِلْبَائِعٍ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهِ، أَوْ شَهِدُوا بِهِ وَلَمْ يَكُونُوا عُدُولًا، أَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمْ. حَلَفَ الْمُفْلِسُ، وَثَبَتَ الطَّلْعُ لَهُ يَنْفَرِدُ بِهِ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ

فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهُ إلَى أَحَدِهِمْ وَتَخْصِيصَهُ بِثَمَنِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِإِقْرَارِ بَاقِيهمْ بِعَدَمِ حَقِّهِمْ فِيهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ ذَلِكَ الْغَرِيمُ مِنْ قَبُولِهِ، أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْ قَدْرِهِ مِنْ دَيْنِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ مِنْ قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ دَيْنِك، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ عَلَى الْمُفْلِسِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ نُجُومَ كِتَابَتِهِ، فَقَالَ سَيِّدُهُ: هَذَا حَرَامٌ. وَأَنْكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>