للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب الْحَجْرِ]

ِ الْحَجْرُ؛ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَامُ حِجْرًا، قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٢٢]

أَيْ حَرَامًا مُحَرَّمًا، وَيُسَمَّى الْعَقْلُ حِجْرًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: ٥] . أَيْ عَقْلٍ. سُمِّيَ حِجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يَقْبَحُ، وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ، وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ: مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَالْحَجْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، حَجْرٌ عَلَى الْإِنْسَانِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَحَجْرٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ، فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ، كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ، لِحَقِّ غُرَمَائِهِ، وَعَلَى الْمَرِيضِ فِي التَّبَرُّعِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ التَّبَرُّعِ بِشَيْءِ لِوَارِثِ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ لِحَقِّ سَيِّدِهِمَا، وَالرَّاهِنِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَلِهَؤُلَاءِ أَبْوَابٌ يُذْكَرُونَ فِيهَا. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، فَثَلَاثَةٌ؛ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ، وَهَذَا الْبَابُ مُخْتَصٌّ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ حَجْرٌ عَامٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥] وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ هُوَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدَك، لَا تُؤْتِهِ إيَّاهُ، وَأَنْفِقْ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا أَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَهِيَ لِغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قِوَامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا، وقَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: ٦] يَعْنِي، اخْتَبِرُوهُمْ فِي حِفْظِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ. {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] أَيْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] أَيْ أَبْصَرْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مِنْهُمْ حِفْظًا لِأَمْوَالِهِمْ، وَصَلَاحًا فِي تَدْبِيرِ مَعَايِشِهِمْ.

[مَسْأَلَةٌ أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ]

[الْفَصْل الْأَوَّل دَفْع الْمَالِ إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا رَشَدَ وَبَلَغَ]

(٣٤٦٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ، دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، إذَا كَانَ قَدْ بَلَغَ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ:

(٣٤٦٩) أَحَدُهَا، فِي وُجُوبِ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا رَشَدَ وَبَلَغَ، وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي نَصِّ كِتَابِهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ، حِفْظًا لِمَالِهِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَيُحْفَظُ مَالُهُ، فَيَزُولُ الْحَجْرُ، لِزَوَالِ سَبَبِهِ.

وَلَا يُعْتَبَرُ فِي زَوَالِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَجْنُونِ إذَا عَقَلَ حُكْمَ حَاكِمٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ إذَا رَشَدَ وَبَلَغَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَزُولُ إلَّا بِحَاكِمٍ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ إلَى اجْتِهَادٍ، فَيُوقَفُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، كَزَوَالِ الْحَجْرِ عَنْ السَّفِيهِ.

وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، فَاشْتِرَاطُ حُكْمِ الْحَاكِمِ زِيَادَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>