للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ، فَصَحَّ، كَعِتْقِ الرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَأَشْبَهَ هِبَتَهُ وَوَقْفَهُ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَحِفْظِ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفَارَقَ الْمُفْلِسَ وَالرَّاهِنَ؛ فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّ غَيْرِهِمَا.،

[فَصْلٌ تَزَوَّجَ الْمَحْجُور عَلَيْهِ]

(٣٤٨٧) فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَ، صَحَّ النِّكَاحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ: أَبُو الْخَطَّابِ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَجِبُ بِهِ مَالٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، كَالشِّرَاءِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَالِيٍّ، فَصَحَّ مِنْهُ، كَخُلْعِهِ وَطَلَاقِهِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْمَالُ، فَحُصُولُهُ بِطَرِيقِ الضِّمْنِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ الطَّلَاقِ.

[فَصْلٌ تَدْبِير وَوَصِيَّة الْمَحْجُور عَلَيْهِ]

(٣٤٨٨) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ مَصْلَحَتِهِ لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَالِهِ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْهُ. وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ، وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ الْمُسْتَوْلَدَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَجْنُونِ، فَمِنْ السَّفِيهِ أَوْلَى. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. وَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْمَالِ، لَا تَضْيِيعٌ لَهُ.

وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ نَظَرْتَ؛ فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا. صَحَّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ تَضْيِيعَ الْمَالِ. وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ. لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ، وَوَجَبَ الْمَالُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، صَحَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَشْبَهَ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ، فَصَحَّتْ مِنْهُ، كَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، دُفِعَ إلَيْهِ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ لِيُسْقِطَ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي السَّفَرِ كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَضَرِ، دُفِعَتْ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي إحْرَامِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ السَّفَرِ أَكْثَرَ، فَقَالَ: أَنَا أَكْتَسِبُ تَمَامَ نَفَقَتِي، دُفِعَتْ إلَيْهِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِمَالِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، فَلِوَلِيِّهِ تَحْلِيلُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِهِ، وَيَتَحَلَّلُ بِالصِّيَامِ كَالْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ وَلِيُّهُ تَحْلِيلَهُ، بِنَاءً عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَإِنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، أَوْ عَادَ فِي ظِهَارِهِ، أَوْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالْقَتْلِ أَوْ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، كَفَّرَ بِالصِّيَامِ لِذَلِكَ.

وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ أَطْعَمَ عَنْ ذَلِكَ، لَمْ يُجْزِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ، أَشْبَهَ الْمُفْلِسَ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُجْزِئَهُ الْعِتْقُ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّتِهِ مِنْهُ. وَإِنْ نَذَرَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً، لَزِمَهُ فِعْلُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ. وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةَ الْمَالِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>