للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَرَى مَجْرَى كَوْنِ حِمْلِهِ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَزَرْعِهِ فِي الْأَرْضِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ يَبْنِي عَلَى حَائِطِهِ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ سُتْرَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ خَشَبَةٌ طَرَفُهَا تَحْتَ حَائِطٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهَا أَزَجٌ مَعْقُودٌ، فَالْحَائِطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخَشَبَةَ لِمَنْ يَنْفَرِدُ بِوَضْعِ بِنَائِهِ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْبِنَاءِ لَهُ.

(٣٥٣٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لَأَحَدِهِمَا خَشَبٌ مَوْضُوعٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تُرَجَّحُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَسْمَحُ بِهِ الْجَارُ. وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ. وَعِنْدَنَا إنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ التَّمْكِينُ مِنْهُ. فَلَمْ تُرَجَّحْ بِهِ الدَّعْوَى، كَإِسْنَادِ مَتَاعِهِ إلَيْهِ، وَتَجْصِيصِهِ وَتَزْوِيقِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَجَّحَ بِهِ الدَّعْوَى. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِهِ بِوَضْعِ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْبَانِيَ عَلَيْهِ وَالزَّارِعَ فِي الْأَرْضِ، وَوُرُودُ الشَّرْعِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ، لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، بِدَلِيلِ أَنَّا اسْتَدْلَلْنَا بِوَضْعِهِ عَلَى كَوْنِ الْوَضْعِ مُسْتَحَقًّا عَلَى الدَّوَامِ، حَتَّى مَتَى زَالَ جَازَتْ إعَادَتُهُ، وَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا تُشْتَرَطُ لَهُ الْحَاجَةُ إلَى وَضْعِهِ، فَفِيمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ وَضْعِهِ.

وَأَمَّا السَّمَاحُ بِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرِ النَّاسِ لَا يَتَسَامَحُونَ بِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، طَأْطَئُوا رُءُوسَهُمْ، كَرَاهَةً لِذَلِكَ، فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» . وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُوجِبُونَ التَّمْكِينَ مِنْ هَذَا، وَيَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَنْعِ لَا عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَلِأَنَّ الْحَائِطَ يَبْنِي لِذَلِكَ، فَيُرَجَّحُ بِهِ، كَالْأَزَجِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِالْجِذْعِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يَبْنِي لَهُ، وَيُرَجَّحُ بِالْجِذْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ يَبْنِي لَهُمَا وَلَنَا، أَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْحَائِطِ، فَاسْتَوَى فِي تَرْجِيحِ الدَّعْوَى بِهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَالْبِنَاءِ.

(٣٥٣٦) فَصْلٌ: وَلَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِكَوْنِ الدَّوَاخِلِ إلَى أَحَدِهِمَا وَالْخَوَارِجِ وَوُجُوهِ الْآجُرِّ وَالْحِجَارَةِ، وَلَا كَوْنِ الْآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ مِمَّا يَلِي مِلْكَ أَحَدِهِمَا وَأَقْطَاعِ الْآجُرِّ إلَى مِلْكِ الْآخَرِ، وَلَا بِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ فِي الْخُصِّ، يَعْنِي عَقْدَ الْخُيُوطِ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الْخُصُّ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يُحْكَمُ بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ وَجْهُ الْحَائِطِ وَمَعَاقِدُ الْقِمْطِ؛ لِمَا رَوَى نَمِرُ بْنُ حَارِثَةَ التَّمِيمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ «، أَنَّ قَوْمًا اخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُصٍّ، فَبَعَثَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَحَكَمَ بِهِ لِمَنْ يَلِيهِ مَعَاقِدُ الْقِمْطِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>