للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُحَمِّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ الْحِمْلِ فَإِنَّهُ يُحَمِّلُهُ مِنْ الْأَثْقَالِ مَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِحَمْلِهِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ.

[فَصْلٌ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ دُولَابٌ فَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ]

(٣٥٤٧) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ، أَوْ عَيْنٌ، فَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ، فَفِي إجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا رِوَايَتَانِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ يُجْبَرُ هَاهُنَا عَلَى الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ شَرِيكُهُ مِنْ مُقَاسَمَتِهِ، فَيَضُرُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَائِطِ؛ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُمَا قِسْمَةُ الْعَرْصَةِ. وَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ إضْرَارًا بِهِمَا وَالْإِنْفَاقُ أَرْفَقُ بِهِمَا، فَكَانَا سَوَاءً. وَالْحُكْمُ فِي الدُّولَابِ وَالنَّاعُورَةِ، كَالْحُكْمِ فِي الْحَائِطِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا الْبِئْرُ وَالنَّهْرُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْقَاقُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكَيْهِمَا، وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ، فَأَشْبَهَ الْحَائِطَ إذَا بَنَاهُ بِآلَتِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ، كَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْحَائِطِ، عَلَى مَا مَضَى.

[فَصْلٌ كَانَ لِرَجُلَيْنِ بَابَانِ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ]

(٣٥٤٨) فَصْل: إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ بَابَانِ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ، أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ مِنْ بَابِ الزُّقَاقِ وَالْآخَرُ فِي دَاخِلِهِ. فَلِلْقَرِيبِ مِنْ الْبَابِ نَقْلُ بَابِهِ إلَى مَا يَلِي بَابِ الزُّقَاقِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِطْرَاقَ إلَى بَابِهِ الْقَدِيمِ، فَقَدْ نَقَصَ مِنْ اسْتِطْرَاقِهِ، وَمَتَى أَرَادَ رَدَّ بَابِهِ إلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ أَرَادَ نَقْلَ بَابِهِ تِلْقَاءَ صَدْرِ الزُّقَاقِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ بَابَهُ إلَى مَوْضِعٍ لَا اسْتِطْرَاقَ لَهُ فِيهِ.

وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَابَهُ فِي أَوَّلِ الْبِنَاءِ، فِي أَيْ مَوْضِعٍ شَاءَ، فَتَرَكَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ، كَمَا أَنَّ تَحْوِيلَهُ بَعْدَ فَتْحِهِ لَا يُسْقِطُ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ حَائِطَهُ كُلَّهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ رَفْعِ مَوْضِعِ الْبَابِ وَحْدَهُ. فَأَمَّا صَاحِبُ الْبَابِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ فِي دَاخِلِ الدَّرْبِ بَابٌ لِآخَرَ، فَحُكْمُهُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ حُكْمُ صَاحِبِ الْبَابِ الْأَوَّلِ سَوَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ بَابٌ آخَرُ، كَانَ لَهُ تَحْوِيلُ بَابِهِ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيمَا تَجَاوَزَ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ.

وَلَوْ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْتَحَ فِي دَارِهِ بَابًا آخَرَ، أَوْ يَجْعَلَ دَارِهِ دَارَيْنِ، يَفْتَحُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا، جَازَ، إذَا وَضَعَ الْبَابَيْنِ فِي مَوْضِعِ اسْتِطْرَاقِهِ. وَإِنْ كَانَ ظَهْرُ دَارِ أَحَدِهِمَا إلَى شَارِعٍ نَافِذٍ، أَوْ زُقَاقٍ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِي حَائِطِهِ بَابًا إلَيْهِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُ أَحَدٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا إضْرَارٌ بِأَهْلِ الدَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ بِجَعْلِهِ نَافِذًا يَسْتَطْرِقُ إلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ قُلْنَا: لَا يَصِيرُ الدَّرْبُ نَافِذًا، وَإِنَّمَا تَصِيرُ دَارُهُ نَافِذَةً، وَلَيْسَ لَأَحَدٍ اسْتِطْرَاقُ دَارِهِ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ بَابُهُ فِي الشَّارِعِ، وَظَهْرُ دَارِهِ إلَى الزُّقَاقِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا إلَى الزُّقَاقِ لِلِاسْتِطْرَاقِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الدَّرْبِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِلْكُ أَرْبَابِهِ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>