للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَبِيعِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ، صَحَّ، سَوَاءٌ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَإِذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الضَّامِنِ بِقِيمَةِ مَا تَلِفَ أَوْ نَقَصَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَجْهُولٍ، وَضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ مِنْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَمِنْ لَا يَصِحُّ]

(٣٥٧٤) فَصْلٌ: فِي مَنْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَمَنْ لَا يَصِحُّ، يَصِحُّ ضَمَانُ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، فَصَحَّ مِنْ الْمَرْأَةِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ، وَلَا مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيَّزٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ مَالٍ بِعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ، كَالنَّذْرِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ.

ذَكَرِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ يُتْبَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، صَحَّ، فَكَذَلِكَ ضَمَانُهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ مَالٍ بِعَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ.

وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْتِزَامُ مَالٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالتَّبَرُّعِ وَالنَّذْرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الضَّمَانِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: قَبْلَ بُلُوغِي.

وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ فَاسِدٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفَيْنِ ثَمَّ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَتَصَرَّفَانِ إلَّا تَصَرُّفًا صَحِيحًا، فَكَانَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَهَاهُنَا اخْتَلَفَا فِي أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ يَدَّعِي الْأَهْلِيَّةَ ظَاهِرٌ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، وَلَا أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، فَلَا تُرَجَّحُ دَعْوَاهُ.

وَالْحُكْمُ فِي مَنْ عُرِفَ لَهُ حَالُ جُنُونٍ، كَالْحُكْمِ فِي الصَّبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، لَا فِي ذِمَّتِهِ، فَأَشْبَهَ الرَّاهِنَ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَدَّا الرَّهْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ. وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُتْبَعَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ، كَالْإِقْرَارِ بِالْإِتْلَافِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>