للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِ، وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْقَضَاءِ: " الْآنَ بَرَّدْت عَلَيْهِ جِلْدَهُ ". وَيُفَارِقُ الضَّمَانُ الْحَوَالَةَ؛ فَإِنَّ الضَّمَانَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ، فَيَقْتَضِي الضَّمَّ بَيْنَ الذِّمَّتَيْنِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمَا وَثُبُوتِهِ فِيهِمَا.

وَالْحَوَالَةُ مِنْ التَّحَوُّلِ، فَتَقْتَضِي تَحَوُّلَ الْحَقِّ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلهمْ: إنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ لَا يَحِلُّ فِي مَحَلَّيْنِ. قُلْنَا: يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِمَحَلَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيثَاقِ، كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الرَّهْنِ بِهِ وَبِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: أَمَّا الْحَيُّ فَلَا يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَفِي بَرَاءَتِهِ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ.

نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّ فَائِدَةَ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ تَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْصُلَ هَذِهِ الْفَائِدَةُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ الْحَيِّ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ الِاسْتِيثَاقُ، وَثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّتَيْنِ آكَدُ فِي الِاسْتِيثَاقِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ ضَمَانٌ، فَلَا يَبْرَأُ بِهِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ كَالْحَيِّ.

(٣٥٧٨) فَصْلٌ: وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْأَصْلِ، كَالرَّهْنِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، فَمَلَكَ مُطَالَبَتَهُ، كَالْأَصِيلِ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِمَا، فَمَلَكَ مُطَالَبَةَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، كَالضَّامِنَيْنِ إذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَلَا يُشْبِهُ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلَيْسَ بِذِي ذِمَّةٍ يُطَالِبُ، إنَّمَا يُطَالِبُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، لِيَقْضِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمَضْمُونَ عَنْهُ]

(٣٥٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، بَرِئَتْ ذِمَّةُ الضَّامِنِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ زَالَتْ الْوَثِيقَةُ، كَالرَّهْنِ. وَإِنْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ، فَلَا يَبْرَأُ بِإِبْرَاءِ التَّبَعِ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ انْحَلَّتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا، فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الْأَصِيلِ، كَالرَّهْنِ إذَا انْفَسَخَ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَائِهِ.

وَأَيُّهُمَا قَضَى الْحَقَّ بَرِئَا جَمِيعًا مِنْ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ مَرَّةً زَالَ تَعَلُّقُهُ بِهِمَا، كَمَا لَوْ اُسْتُوْفِيَ الْحَقُّ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ، وَإِنْ أَحَالَ الْغَرِيمَ بَرِئَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ مَرَّةً زَالَ تَعَلُّقُهُ بِهِمَا كَمَا لَوْ اُسْتُوْفِيَ دَيْنُ الرَّهْنِ. وَإِنْ أَحَالَ أَحَدُهُمَا الْغَرِيمَ بَرِئَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَضَاءِ.

[فَصْلٌ ضَمِنَ الضَّامِنَ ضَامِنٌ آخَرُ]

(٣٥٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ ضَمِنَ الضَّامِنَ ضَامِنٌ آخَرُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَازِمٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَصَحَّ ضَمَانُهُ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَيَثْبُتُ الْحَقُّ فِي ذِمَمِ ثَلَاثَةٍ، أَيُّهُمْ قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَمُهُمْ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَإِذَا قُضِيَ مَرَّةً لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ مَرَّةً أُخْرَى. وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، بَرِئَ الضَّامِنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعٌ. وَإِنْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ الْأَوَّلَ بَرِئَ الضَّامِنَانِ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَبْرَأْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ الْأَوَّلَ، بَرِئَ الضَّامِنَانِ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَبْرَأْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَإِنْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ الثَّانِي بَرِئَ

<<  <  ج: ص:  >  >>