للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحْدَهُ. وَمَتَى حَصَلَتْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِالْإِبْرَاءِ، فَلَا رُجُوعَ فِيهَا بِحَالٍ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ مَعَ الْغُرْمِ، وَلَيْسَ فِي الْإِبْرَاءِ غُرْمٌ. وَالْكَفَالَةُ كَالضَّمَانِ فِي هَذَا الْمَعْنَى جَمِيعِهِ، وَتَزِيدُ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بَرِئَ كَفِيلَاهُ، وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِئَ الثَّانِي دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ انْحَلَّتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءٍ، فَأَشْبَهَ الرَّهْنَ، وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ الثَّانِي بَرِئَ وَحْدَهُ.

[فَصْلٌ ضَمِنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ أَوْ تَكَفَّلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفِيلَ]

(٣٥٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ ضَمِنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ الضَّامِنَ، أَوْ تَكَفَّلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفِيلَ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَقْتَضِي إلْزَامَهُ الْحَقَّ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْحَقُّ لَازِمٌ لَهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إلْزَامُهُ ثَانِيًا، وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي هَذَا الدَّيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا فِيهِ. وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ دَيْنًا آخَرَ، أَوْ كَفَلَ بِهِ فِي حَقٍّ آخَرَ، جَازَ؛ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ. "

[فَصْلٌ ضَمِنَ الْحَقَّ عَنْ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ اثْنَانِ وَأَكْثَرُ]

(٣٥٨٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ الْحَقَّ عَنْ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ اثْنَانِ وَأَكْثَرُ، سَوَاءٌ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، فَإِنْ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَهُ، بَرِئَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَدَاءِ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، بَرِئَ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّهُمْ فُرُوعٌ لَهُ. وَإِنْ أُبْرِئَ أَحَدُ الضُّمَّانِ، بَرِئَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَبْرَأْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ فُرُوعٍ لَهُ، فَلَمْ يَبْرَءُوا بِبَرَاءَتِهِ، كَالْمَضْمُونِ عَنْهُ.

وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِضَمَانِهِ الْأَصْلِيِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ ثَانِيًا، وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِيهِ بِالضَّمَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فِيهِ فَرْعًا. وَلَوْ تَكَفَّلَ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ رَجُلَانِ، جَازَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَنِهِ، لَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ. وَأَيُّ الْكَفِيلَيْنِ أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِئَ وَبَرِئَ صَاحِبُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ كَفَلَ الْمَكْفُولُ الْكَفِيلَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُ فِي الْكَفَالَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ فَرْعًا لَهُ فِيمَا كَفَلَ بِهِ.

وَإِنْ كَفَلَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَقِّ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْعٍ لَهُ فِي ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ أَدَّى الدَّيْن مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ]

(٣٥٨٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَمَتَى أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ عَنِّي، أَوْ لَمْ يَقُلْ) . يَعْنِي إذَا أَدَّى الدَّيْنَ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَأَمَّا إنْ قَضَى الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا بِهِ، غَيْرَ نَاوٍ لِلرُّجُوعِ بِهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ، أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ. وَسَوَاءٌ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَأَمَّا إذَا أَدَّاهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدِهَا، أَنْ يَضْمَنَ بِأَمْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَيُؤَدِّيَ بِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ عَنِّي. أَوْ: أَدِّ عَنِّي. أَوْ أَطْلَقَ.

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ قَالَ: اضْمَنْ عَنِّي، وَانْقُدْ عَنِّي. رَجَعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: اُنْقُدْ هَذَا. لَمْ يَرْجِعْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا لَهُ، يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ، وَيُودِعُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: اضْمَنْ عَنِّي، وَانْقُدْ عَنِّي. إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ، وَإِذَا أَطْلَقَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: هَبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>