للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصَحِّهِمَا، أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَادُ لِلْإِيفَاءِ، وَالِارْتِهَانُ يُرَادُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ، فَمَلَكَ مَا يُرَادُ لَهُمَا. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَلِي الْعَقْدَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، لِكَوْنِ الْقَبْضِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَخْتَصُّ الْعَاقِدَ، فَكَذَلِكَ مَا يُرَادُ لَهُ. وَهَلْ لَهُ السَّفَرُ بِالْمَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، نَذْكُرُهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ.

فَأَمَّا الْإِقَالَةُ، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَهُوَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا فَهُوَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ إذَا كَانَ الْحَظُّ فِيهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ غَبَنَ فِيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا إذَا قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ.

وَإِنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك. جَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ، مِنْ الْإِبْضَاعِ، وَالْمُضَارَبَةِ بِالْمَالِ، وَالْمُشَارَكَةِ بِهِ، وَخَلْطِهِ بِمَالِهِ، وَالسَّفَرِ بِهِ، وَالْإِيدَاعِ، وَالْبَيْعِ نَسَاءً، وَالرَّهْنِ، وَالِارْتِهَانِ، وَالْإِقَالَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الرَّأْيَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي تَقْتَضِيه الشَّرِكَةُ، فَجَازَ لَهُ كُلُّ مَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ.

فَأَمَّا مَا كَانَ تَمَسُّكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ، وَالْحَطِيطَةِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَالْقَرْضِ، وَالْعِتْقِ، وَمُكَاتَبَةِ الرَّقِيقِ، وَتَزْوِيجِهِمْ، وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْعَمَلَ بِرَأْيِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.

[فَصْلٌ أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مَالًا مُضَارَبَةً]

(٣٦٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً، فَرِبْحُهُ لَهُ، وَوَضِيعَتُهُ عَلَيْهِ، دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُضَارَبَةِ: إذَا ضَارَبَ لِرَجُلٍ آخَرَ، رَدَّ مَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ، إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ. فَيَجِيءُ هَاهُنَا مِثْلُهُ.

[فَصْلٌ الشَّرِكَة مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ]

(٣٦٤٠) فَصْلٌ: وَالشَّرِكَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَجُنُونِهِ، وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ، وَبِالْفَسْخِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَتْ بِذَلِكَ، كَالْوَكَالَةِ، وَإِنْ عَزَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، انْعَزَلَ الْمَعْزُولُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ، وَلِلْعَازِلِ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ إذْنِهِ.

هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ نَاضًّا، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ، كَالْمُضَارِبِ إذَا عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ بِسِلْعَةِ أُخْرَى، أَوْ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ مَا يَنِضُّ بِهِ الْمَالُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَأَشْبَهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>