للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَكَالَةَ.

فَعَلَى هَذَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الْقِسْمَةِ، فَعَلَا. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْبَيْعَ. أُجِيبَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ دُونَ طَالِبِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ إذَا فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ، فَطَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ، أُجِيبَ إلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ، وَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إلَّا بِالْبَيْعِ، فَاسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ لِوُقُوفِ حُصُولِ حَقّه عَلَيْهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا، مَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ يَسْتَدْرِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْمَتَاعِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَهُ وَارِثٌ رَشِيدٌ]

(٣٦٤١) فَصْلٌ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَلَهُ وَارِثٌ رَشِيدٌ، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَأْذَنَ لَهُ الشَّرِيكُ فِي التَّصَرُّفِ. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ مُوَلِّيًا عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُولَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ وَصَّى بِمَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بِبَعْضِهِ، لِمُعَيَّنٍ، فَالْمُوصَى لَهُ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ وَصَّى بِهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ، لَمْ يَجُزْ لِلْوَصِيِّ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ، فَيَعْزِلُ نَصِيبَهُمْ، وَيُفَرِّقُهُ بَيْنَهُمْ. وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْضَاءُ الشَّرِكَةِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَلَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ قَضَاهُ مِنْهُ، بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ فِي قَدْرِ مَا قَضَى.

[فَصْلٌ فِي شَرِكَة الْمُضَارَبَةِ]

(٣٦٤٢) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ يَشْتَرِك بَدَنٌ وَمَالٌ. وَهَذِهِ الْمُضَارَبَةُ، وَتُسَمَّى قِرَاضًا أَيْضًا، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَدْفَعَ رَجُلٌ مَالَهُ إلَى آخَرَ يَتَّجِرُ لَهُ فِيهِ، عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا حَسَبِ مَا يَشْتَرِطَانِهِ، فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ مُضَارَبَةً، مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] .

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الرِّبْحِ بِسَهْمٍ. وَيُسَمِّيه أَهْلُ الْحِجَازِ الْقِرَاضَ. فَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَطْعِ. يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ. إذَا قَطَعَهُ. فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْعَامِلِ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ. وَقِيلَ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُوَازَنَةِ. يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ. إذَا وَازَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِشِعْرِهِ. وَهَاهُنَا مِنْ الْعَامِلِ الْعَمَلُ، وَمِنْ الْآخَرِ الْمَالُ، فَتَوَازَنَا.

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْطَاهُ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً يَعْمَلُ بِهِ فِي الْعِرَاقِ،. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، خَرَجَا فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ، فَتَسَلَّفَا مِنْ أَبِي مُوسَى مَالًا، وَابْتَاعَا بِهِ مَتَاعًا. وَقَدِمَا بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، فَبَاعَاهُ، وَرَبِحَا فِيهِ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَخْذَ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ كُلِّهِ. فَقَالَا: لَوْ تَلِفَ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْنَا، فَلِمَ لَا يَكُونُ رِبْحُهُ لَنَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>