للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُمَا لَمْ يَجْعَلَا أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا لِلْآخَرِ، فَلَمْ نَمْنَعْ مِنْ جَمْعِهِمَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ مُتَمَيِّزًا.

[فَصْلٌ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً]

(٣٦٤٥) فَصْلٌ: إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً، وَقَالَ: أَضِفْ إلَيْهِ أَلْفًا مِنْ عِنْدِك، وَاتَّجَرَ بِهِمَا، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا، لَك ثُلُثَاهُ، وَلِي ثُلُثُهُ. جَازَ؛ وَكَانَ شَرِكَةً وَقِرَاضًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَالِ كَانَ الرِّبْحُ تَابِعًا لَهُ، دُونَ الْعَمَلِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِزِيَادَةِ الرِّبْحِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ وَحْدَهُ. مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لَهُمَا، كَمَا أَنَّهُ حَاصِلٌ بِهِمَا. فَإِنْ شَرَطَ غَيْرُ الْعَامِلِ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ، لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَفَاضُلِهِمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ. وَلَنَا، أَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لَا مُقَابِلَ لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ رِبْحَ مَالِ الْعَامِلِ الْمُنْفَرِدِ، وَفَارَقَ شَرِكَةَ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّ فِيهَا عَمَلًا مِنْهُمَا، فَجَازَ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ لِتَفَاضُلِهِمَا فِي الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

وَإِنْ جَعَلَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَمْ يَقُولَا مُضَارَبَةً، جَازَ، وَكَانَ إبْضَاعًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَالَا: مُضَارَبَةً. فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ أَنْ يَشْتَرِك بَدَنَانِ بِمَالِ أَحَدِهِمَا]

(٣٦٤٦) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الْخَامِسُ، أَنْ يَشْتَرِكَ بَدَنَانِ بِمَالِ أَحَدِهِمَا. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ مِنْهُمَا، مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا أَلْفًا، وَيَعْمَلَانِ فِيهِ مَعًا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. فَهَذَا جَائِزٌ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. وَتَكُونُ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِعَمَلِهِ فِي مَالِ غَيْره، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْمُضَارَبَةِ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: إذَا شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ، لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. قَالَ: وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَى الْعَامِلِ، وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَيُخَالِفُ مَوْضُوعَهَا.

وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ. وَلَنَا، أَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، كَالْمَالِ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى الْعَامِلِ. مَمْنُوعٌ، إنَّمَا تَقْتَضِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَهَذَا حَاصِلٌ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَمَلِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً صَحَّ، وَلَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى أَحَدِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>