للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَعْرُوفِ

وَقَالَ أَحْمَدُ: يُنْفِقُ عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ، غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِالنَّفَقَةِ، وَلَا مُضِرٍّ بِالْمَالِ لَمْ يَذْهَبْ أَحْمَدُ إلَى تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ تَخْتَلِفُ، وَقَدْ تَقِلُّ، وَقَدْ تَكْثُرُ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي الْقُوتِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْكُسْوَةِ إلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ.

فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ مَعَ مَالِ الْمُضَارَبَة، أَوْ كَانَ مَعَهُ مُضَارَبَةٌ أُخْرَى، أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ لِلْمَالَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَقْسُومَةً عَلَى قَدْرِهِمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ قَدْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ.

وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي السَّفَرِ، إمَّا بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ نَضَّ الْمَالُ، فَأَخَذَ مَالَهُ، فَطَالَبَهُ الْعَامِلُ بِنَفَقَةِ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا دَامَا فِي الْقِرَاضِ، وَقَدْ زَالَ، فَزَالَتْ النَّفَقَةُ، وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ. وَقَدْ قِيلَ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَرَطَ لَهُ نَفَقَةَ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَغَيْرِهِ، بِتَسْفِيرِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ، مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّفَقَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، فَإِذَا قَطَعَ عَنْهُ النَّفَقَةَ، تَضَرَّرَ بِذَلِكَ.

[فَصْل حُكْمُ الْمُضَارِبِ]

(٣٦٦٢) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمُضَارِبِ حُكْمُ الْوَكِيلِ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَنْجَبِرُ بِضَمَانِ النَّقْص.

وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْأَجْنَبِيِّ.

فَعَلَى هَذَا، إنْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ، ضَمِنَ النَّقْصَ أَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ، وَجَبَ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا؛ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلِرَبِّ الْمَالِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَامِلِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقِيمَتِهِ رَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَا.

وَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَغَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَهُوَ كَالْبَيْعِ. وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، لَزِمَ الْعَامِلَ دُونَ رَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ، فَيَكُونَ لَهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ الشِّرَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ رَبَّ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ صَرَّحَ لِلْبَائِعِ إنَّنِي اشْتَرَيْته لِفُلَانِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَيْضًا.

[فَصْل بَيْع الشَّرِيك وَشِرَاؤُهُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ]

فَصْلٌ: وَهَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى، جَوَازُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَالرِّبْحَ حَاصِلٌ بِهِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ وَيَشْتَرِيَهُ بِهِ. فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. فَفَعَلَهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ ثَمَنِ الْمِثْلِ.

وَإِنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>