للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ يَرَى الْخَلْطَ أَصْلَحَ لَهُ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِك.

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُشَارَكَةِ بِهِ لَيْسَ لَهُ فِعْلُهَا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِرَأْيِك. فَيَمْلِكُهَا.

[فَصْل الْمُضَارِب لَا يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا]

(٣٦٧٧) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْعَامِلُ ذِمِّيًّا صَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْخَمْرِ، وَبَيْعُهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ شِرَاؤُهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ مَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ، وَلَا لِمُوَكِّلِهِ.

وَلَنَا إنَّهُ إنْ كَانَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا فَقَدْ اشْتَرَى خَمْرًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا يَبِيعَهُ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَقَدْ اشْتَرَى لِلْمُسْلِمِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهُ ابْتِدَاءً، فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْخِنْزِيرَ، وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةٌ فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهَا لَهُ، كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ. وَكُلُّ مَا جَازَ فِي الشَّرِكَةِ، جَازَ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَمَا جَازَ فِي الْمُضَارَبَةِ، جَازَ فِي الشَّرِكَةِ، وَمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي إحْدَاهُمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ شَرِكَةٌ، وَمَبْنَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْأَمَانَةِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا ضَارَبَ لِرَجُلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ]

(٣٦٧٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا ضَارَبَ لِرَجُلٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ، إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ. فَإِنْ فَعَلَ، وَرَبِحَ، رَدَّهُ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) .

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْ إنْسَانٍ مُضَارَبَةً إحْدَاهَا ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَ مُضَارَبَةٍ أُخْرَى مِنْ آخَرَ، فَأَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ، جَازَ. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، جَازَ أَيْضًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَأْذَنْ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الثَّانِي كَثِيرًا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقْطَعَ زَمَانَهُ، وَيَشْغَلَهُ عَنْ التِّجَارَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَكُونَ الْمَالُ الْأَوَّلُ كَثِيرًا مَتَى اشْتَغَلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ انْقَطَعَ عَنْ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَمْلِكُ بِهِ مَنَافِعَهُ كُلَّهَا، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَكَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الْحَظِّ وَالنَّمَاءِ، فَإِذَا فَعَلَ مَا يَمْنَعُهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ بِالْعَيْنِ، وَفَارَقَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا إذَا فَعَلَ وَرَبِحَ، رَدَّ الرِّبْحَ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ، وَيَقْتَسِمَانِهِ، فَلْيَنْظُرْ مَا رَبِحَ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا نَصِيبَهُ، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَيَضُمُّهُ إلَى رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى، وَيُقَاسِمُهُ لِرَبِّ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا، كَرِبْحِ الْمَالِ. الْأَوَّلِ.

فَأَمَّا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ الثَّانِي مِنْ الرِّبْحِ، فَتُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>