للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.

وَلِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِ غَيْرِهِ، بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، فَكَانَ لِمَالِكِهِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا. فَأَمَّا الْمُضَارِبُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَقْدًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، كَالْغَاصِبِ.

وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَالثَّانِيَةُ، لَهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِالْبَيْعِ، وَأَخَذَ الرِّبْحَ، فَاسْتَحَقَّ الْعَامِلُ عِوَضًا، كَمَا لَوْ عَقَدَهُ بِإِذْنٍ.

وَفِي قَدْرِ الْأَجْرِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَجْرُ، مِثْلِهِ، مَا لَمْ يُحِطْ بِالرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْمُسَمَّى، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، كَالْمُضَارَبَةِ. الْفَاسِدَةِ، وَالثَّانِيَةُ، لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْمُسَمَّى، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ أَجْرَ الْمِثْلِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَا رَضِيَ بِهِ. وَإِنْ قَصَدَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ، فَلَا أَجْرَ لَهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَ الْمَالَ، فَلَا أَجْرَ لَهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.

[فَصْل الْعَامِلِ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ كُلَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُضَارِبُ بِنَفْسِهِ]

(٣٦٨٣) فَصْلٌ: وَعَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ كُلَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُضَارِبُ بِنَفْسِهِ؛ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ، وَطَيِّهِ، وَعَرْضِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمُسَاوَمَتِهِ، وَعَقْدِ الْبَيْعِ مَعَهُ، وَأَخَذَ الثَّمَنِ، وَانْتِقَادِهِ، وَشَدِّ الْكِيسِ، وَخَتْمِهِ، وَإِحْرَازِهِ فِي الصُّنْدُوقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلرِّبْحِ فِي مُقَابَلَتِهِ. فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا مَا لَا يَلِيهِ الْعَامِلُ فِي الْعَادَةِ؛ مِثْلُ النِّدَاءِ عَلَى الْمَتَاعِ، وَنَقْلِهِ إلَى الْخَانِ، فَلَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلُهُ، وَلَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مَنْ يَعْمَلُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ، لِمَشَقَّةِ اشْتِرَاطِهِ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. فَإِنْ فَعَلَ الْعَامِلُ مَا لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ مُتَبَرِّعًا، فَلَا أَجْرَ لَهُ. وَإِنْ فَعَلَهُ لِيَأْخُذَ عَلَيْهِ أَجْرًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ أَيْضًا، فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ. وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا وَجْهًا، إنَّ لَهُ الْأَجْرَ، بِنَاءً عَلَى الشَّرِيكِ إذَا انْفَرَدَ بِعَمَلِ لَا يَلْزَمُهُ، هَلْ لَهُ أَجْرٌ لِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَذَا مِثْلُهُ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَمَلًا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ، فَلَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا، كَالْأَجْنَبِيِّ.

[فَصْل سُرِقَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ غُصِبَ]

(٣٦٨٤) فَصْلٌ: وَإِذَا سُرِقَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ غُصِبَ، فَعَلَى الْمُضَارِبِ طَلَبُهُ، وَالْمُخَاصَمَةُ فِيهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدٌ عَلَى التِّجَارَةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْخُصُومَةُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>