للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاهُمَا، إنْ أَجَازَهُ، فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا. وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ، لَزِمَ الْعَامِلَ. وَالثَّانِيَةُ: هُوَ لِلْعَامِلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

فَإِنْ اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ شَيْئًا، فَتَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ نَقْدِهِ، فَالشِّرَاءُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَعَقْدُهَا بَاقٍ، وَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ الثَّمَنُ، وَيَصِيرُ رَأْسَ الْمَالِ الثَّمَنُ دُونَ التَّالِفِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَلِفَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: رَأْسُ الْمَالِ هَذَا وَالتَّالِفُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

وَلَنَا، أَنَّ التَّالِفَ تَلِفَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ.

وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَتَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ، كَانَ تَلَفُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَنْقُصْ رَأْسُ الْمَالِ بِتَلَفِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدَانِ كِلَاهُمَا، انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِزَوَالِ مَالِهَا كُلِّهِ. فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفًا، كَانَ الْأَلْفُ رَأْسَ الْمَالِ، وَلَمْ يُضَمَّ إلَى الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا انْفَسَخَتْ لِذَهَابِ مَالِهَا.

[مَسْأَلَةٌ اتَّفَقَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا]

(٣٧٠٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا اتَّفَقَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمَا، كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ)

وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ ضَمَانَ الْمَالِ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَأَفْسَدَ الْمُضَارَبَةَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لَأَحَدِهِمَا فَضْلَ دَرَاهِمَ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.

وَلَنَا، أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي جَهَالَةِ الرِّبْحِ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ. وَيُفَارِقُ شَرْطَ الدَّرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ ثَبَتَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الرِّبْحِ مَجْهُولَةً.

[فَصْلٌ الشُّرُوطُ فِي الْمُضَارَبَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ]

(٣٧٠٥) فَصْلٌ: وَالشُّرُوطُ فِي الْمُضَارَبَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ، فَالصَّحِيحُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ، أَوْ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، أَوْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نَوْعٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَ النَّوْعُ مِمَّا يَعُمُّ وُجُودُهُ، أَوْ لَا يَعُمُّ، وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَكْثُرُ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ أَوْ يَقِلُّ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ مَا لَا يَعُمُّ وُجُودُهُ، كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، وَالْخَيْلِ الْبُلْقِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ التَّقْلِيبُ وَطَلَبُ الرِّبْحِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>