للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهَا مُضَارَبَةٌ خَاصَّةٌ، لَا تَمْنَعُ الرِّبْحَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي نَوْعٍ يَعُمُّ وُجُودُهُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِنَوْعِ، فَصَحَّ تَخْصِيصُهُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا، كَالْوَكَالَةِ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ. مَمْنُوعُ، وَإِنَّمَا يُقَلِّلُهُ، وَتَقْلِيلُهُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَتَخْصِيصِهِ بِالنَّوْعِ. وَيُفَارِقُ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرِّبْحَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لَا تَبِعْ إلَّا مِنْ فُلَانٍ، وَلَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْ فُلَانٍ. فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرِّبْحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي مَا بَاعَهُ إلَّا بِدُونِ ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَا تَبِعْ إلَّا مِمَّنْ اشْتَرَيْت مِنْهُ. لَمْ يَصِحّ؛ لِذَلِكَ.

[فَصْلٌ تَأْقِيت الْمُضَارَبَةِ]

(٣٧٠٦) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَأْقِيتُ الْمُضَارَبَةِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: ضَارَبْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ فَلَا تَبِعْ، وَلَا تَشْتَرِ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا أَلْفًا مُضَارَبَةً شَهْرًا، قَالَ: إذَا مَضَى شَهْرٌ يَكُونُ قَرْضًا. قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: فَإِنْ جَاءَ الشَّهْرُ وَهِيَ مَتَاعٌ؟ قَالَ: إذَا بَاعَ الْمَتَاعَ يَكُونُ قَرْضًا.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي صِحَّةِ شَرْطِ التَّأْقِيتِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، هُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ، لَا يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ. وَاخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ عَقْدٌ يَقَعُ مُطْلَقًا، فَإِذَا شَرَطَ قَطْعَهُ لَمْ يَصِحَّ، كَالنِّكَاحِ. الثَّانِي، أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَا لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَبَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَاضًّا، فَإِذَا مَنَعَهُ الْبَيْعَ لَمْ يَنِضَّ. الثَّالِثُ، إنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ بِالْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الرِّبْحُ وَالْحَظُّ فِي تَبْقِيَةِ الْمَتَاعِ، وَبَيْعِهِ بَعْدَ السَّنَةِ. فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِمُضِيِّهَا.

وَلَنَا، أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَتَوَقَّتُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَتَاعِ فَجَازَ تَوْقِيتُهُ فِي الزَّمَانِ، كَالْوَكَالَةِ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَبْطُلُ تَخْصِيصُهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَتَاعِ، وَلِأَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ مَنْعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إذَا رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرْضًا، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ، فَقَدْ شَرَطَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ فَلَا تَشْتَرِ شَيْئًا. وَقَدْ سَلَّمُوا صِحَّةَ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ اشْتِرَاط الْمُضَارِب نَفَقَةَ نَفْسِهِ]

(٣٧٠٧) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُضَارِبُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ فِي الْحَضَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>