للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْعَامِلُ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَة]

(٣٧١٩) فَصْل: وَالْعَامِلُ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، فَكَانَ أَمِينًا، كَالْوَكِيلِ. وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ؛ فَإِنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَتِهِ خَاصَّةً، وَهَا هُنَا الْمَنْفَعَةُ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ.

كَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَبِهِ نَقُولُ. وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ تَلَفِ الْمَالِ أَوْ خَسَارَةٍ فِيهِ، وَمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ وَتَفْرِيطٍ، وَفِيمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَاهُنَا فِي نِيَّتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا نَوَاهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي نِيَّةِ الزَّوْجِ بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ.

وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الشِّرَاءِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَالْوَكِيلِ. وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: كُنْت نَهَيْتُك عَنْ شِرَائِهِ. فَأَنْكَرَ الْعَامِلُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ. وَهَذَا كُلُّهُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

(٣٧٢٠) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً وَفِي الشِّرَاءِ بِعَشْرَةٍ. قَالَ: بَلْ أَذِنْت لَك فِي الْبَيْعِ نَقْدًا، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ.

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ. وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ، فَكَذَلِكَ فِي صِفَتِهِ.

وَلَنَا، أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ، كَمَا لَوْ قَالَ: قَدْ نَهَيْتُك عَنْ شِرَاءِ عَبْدٍ فَأَنْكَرَ النَّهْيَ.

[فَصْلٌ قَالَ الْمُضَارِب شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَقَالَ بَلْ ثُلُثَهُ]

(٣٧٢١) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ. فَقَالَ: بَلْ ثُلُثَهُ. فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَنْصُورِ وَسِنْدِيٍّ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ وَاشْتِرَاطَهُ لَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّ الْعَامِلَ إذَا ادَّعَى أَجْرَ الْمِثْلِ، وَزِيَادَةً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا وَافَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي عِوَضِ عَقْدٍ، فَيَتَحَالَفَانِ، كَالْمُتَبَايِعِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>