للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا إذَا كَانَ فِي ذِمَمٍ، فَأَمَّا فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ إفْرَازُ الْحَقِّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ.

[فُصُول الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ]

(٣٧٣١) فُصُول فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ: يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِإِذْنِهِ. وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ إنَّمَا جَازَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَزَالَ الْحَجْرُ فِي قَدْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ، كَالْوَكِيلِ. فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيَتَّجِرَ فِيهِ.

وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي ذِمَّتِهِ، جَازَ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الْمَالِ يَتَّجِرُ فِيهِ، جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ التِّجَارَةُ فِي غَيْرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي غَيْرِهِ، وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إذْنَهُ إطْلَاقٌ مِنْ الْحَجْرِ وَفَكٌّ لَهُ، وَالْإِطْلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ، كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ.

وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ. وَمَا قَالَهُ يُنْقَضُ بِمَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي شِرَاءِ ثَوْبٍ لِيَلْبَسَهُ، أَوْ طَعَامٍ لِيَأْكُلَهُ، وَيُخَالِفُ الْبُلُوغَ؛ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِهِ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْحَجْرِ، فَإِنَّ الْبُلُوغَ مَظِنَّةُ كَمَالِ الْعَقْلِ، الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ، وَهَا هُنَا الرِّقُّ سَبَبُ الْحَجْرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَنَظِيرُ الْبُلُوغِ فِي الصَّبِيِّ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ يَسْتَفِيدُ بِالْبُلُوغِ قَبُولَ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ،

(٣٧٣٢) فَصْلٌ: وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ لَإِنْسَانٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَبَاحَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، فَمَلَكَ ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ، كَبَيْعِ نَفْسِهِ وَتَزَوُّجِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ. مَمْنُوعٌ، بَلْ يَتَصَرَّفُ لِسَيِّدِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُكَاتَبَ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ سَيِّدِهِ.

[فَصْلٌ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ]

(٣٧٣٣) فَصْلٌ: وَإِذَا رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ. لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ حَقِّهِ، فَكَانَ مُسْقِطًا لَهُ، كَالشَّفِيعِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِذْنِ، فَلَمْ يَقُمْ السُّكُوتُ مَقَامَ الْإِذْنِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَالْمُرْتَهِنُ سَاكِتٌ، أَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ سَاكِتٌ، وَكَتَصَرُّفَاتِ الْأَجَانِبِ. وَيُخَالِفُ الشُّفْعَةَ؛ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إذَا عَلِمَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>