للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْوَكَالَة]

ِ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] . فَجَوَّزَ الْعَمَلَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: ١٩] . وَهَذِهِ وَكَالَةٌ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ لُمَازَةَ بْنِ زَبَّارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ: «عُرِضَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَبٌ، فَأَعْطَانِي دِينَارًا، فَقَالَ: يَا عُرْوَةُ، ائْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً. قَالَ: فَأَتَيْت الْجَلَبَ، فَسَاوَمْت صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْت شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْت أَسُوقُهُمَا، أَوْ أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ بِالطَّرِيقِ، فَسَاوَمَنِي، فَبِعْت مِنْهُ شَاةً بِدِينَارٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّينَارِ وَبِالشَّاةِ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ: وَصَنَعْت كَيْفَ؟ . قَالَ: فَحَدَّثْته الْحَدِيثَ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» . هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ: إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ. فَقَالَ: ائْتِ وَكِيلِي، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنْ ابْتَغَى مِنْك آيَةً، فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» .

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ وَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، فِي قَبُولِ نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَأَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ.» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ كُلَّ وَاحِدٍ فِعْلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا.

[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ بِنَفْسِهِ وَكَانَ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ صَحَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ]

(٣٧٣٦) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، صَحَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. وَأَمَّا مَنْ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَالْوَكِيلِ، وَالْمُضَارِبِ، فَلَا يَدْخُلُونَ فِي هَذَا. لَكِنْ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَمْلِكُهُ دُونَ سَيِّدِهِ، كَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، لَا يُوَكَّلُ إلَّا فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ، مِنْ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ، وَطَلَبِ الْقِصَاصِ، وَنَحْوِهِ.

وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، وَتَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، صَحَّ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِيهِ، إلَّا الْفَاسِقَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَهُ لِغَيْرِهِ. وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ. وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ. فَأَمَّا تَوْكِيلُهُ فِي الْإِيجَابِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تُثْبِتُ الْوِلَايَةَ لَهُ. وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>