للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجْهُ الْوَجْهِ الْآخَرِ، أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلنِّكَاحِ، أَشْبَهَ الْوَلِيَّ. وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ، كَالْمَرْأَةِ.

وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، وَطَلَاقِ غَيْرِهَا. وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِنَفْسِهِ؛ وَإِنَّمَا يَقِفُ ذَلِكَ عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِ، لِيُرْضِيَ بِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ. وَمَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ لِنَفْسِهِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ، كَالْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ، وَالْكَافِرِ فِي تَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ، وَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا.

[فَصْل لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوَكَّل فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ]

فَصْلٌ: وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ. وَلَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ بِجَعْلٍ، لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ. وَلَا يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الِاكْتِسَابِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ جَعْلٍ، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ كَأَعْيَانِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَذْلُ عَيْنِ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَوَكَّلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لَا يَتَنَاوَلُ التَّوْكِيلَ. وَتَصِحُّ وَكَالَةُ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ، إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ.

[مَسْأَلَةٌ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمُطَالَبَةِ الْحُقُوقِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ]

(٣٧٣٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَمُطَالَبَةِ الْحُقُوقِ، وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، حَاضِرًا كَانَ الْمُوَكِّلُ أَوْ غَائِبًا) . لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَى السُّوقِ. وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ وَلَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ، وَقَدْ يُحْسِنُ وَلَا يَتَفَرَّغُ، وَقَدْ لَا تَلِيقُ بِهِ التِّجَارَةُ لِكَوْنِهِ امْرَأَةً، أَوْ مِمَّنْ يَتَعَيَّرُ بِهَا، وَيَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ مَنْزِلَتِهِ، فَأَبَاحَهَا الشَّرْعُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَتَحْصِيلًا

لِمَصْلَحَةِ

الْآدَمِيِّ الْمَخْلُوقِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْحَوَالَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالضَّمَانِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْقَرْضِ، وَالصُّلْحِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْفَسْخِ، وَالْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّوْكِيلِ فِيهَا، فَيَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُهُ. وَلَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافًا. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَّلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ، وَأَبَا رَافِعٍ، فِي قَبُولِ النِّكَاحِ لَهُ» . وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى التَّزَوُّجِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ، لَا يُمْكِنُهُ السَّفَرُ إلَيْهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ.

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، كَدُعَائِهَا إلَى التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>