للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا بِفِعْلِ الْأُخْرَى كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ، فَلَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا؛ وَلِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَمْ تُجْزِ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ، فَلَمْ تَتَأَدَّ إحْدَاهُمَا بِنِيَّةِ الْأُخْرَى، كَطَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَفَارَقَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ، وَلِهَذَا تُجْزِئُ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ.

[فَصْل التَّيَمُّم لِلْجَنَابَةِ لَا يُجْزِئ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ]

(٣٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْخِلَافُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ مَا تَيَمَّمَ لَهُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنَّجَاسَةِ؛ فَإِنْ نَوَى الْجَمِيعَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاحِدٌ، فَأَشْبَهَ طَهَارَةَ الْمَاءِ، وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَنْوِيِّ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ التَّيَمُّمُ عَنْ جُرْحٍ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، نَوَى التَّيَمُّمَ عَنْ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ.

[فَصْل التَّيَمُّم لِلْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ]

(٣٨٢) فَصْلٌ: وَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ، أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ تُبَحْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ. وَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْغُسْلِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْحَدَثُ فِيهِ، كَالْغُسْلِ. وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ بِحَالِهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ، لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ بَاقٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ قُلْنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ، احْتَاجَ كُلُّ وَطْءٍ إلَى تَيَمُّمٍ يَخُصُّهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

[مَسْأَلَة وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ]

(٣٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، خَرَجَ فَتَوَضَّأَ، أَوْ اغْتَسَلَ إنْ كَانَ جُنُبًا، وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجًا مِنْهَا؛ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، فَيَتَوَضَّأُ إنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَيَغْتَسِلُ إنْ كَانَ جُنُبًا. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، مَضَى فِيهَا. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ.

قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: كُنْت أَقُولُ يَمْضِي. ثُمَّ تَدَبَّرْت، فَإِذَا أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ وَجَدَ الْمُبْدَلَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِمَقْصُودِ الْبَدَلِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>