للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، إنَّمَا أَمَرَهُ بِتَنْفِيذِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ يَنْصَرِفُ إلَى دَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْأَخْذُ إذَا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ اللَّفْظِ، كَالْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَصَلَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، وَاللَّفْظُ مُتَنَاوِلٌ لَهُ، فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ كَغَيْرِهِ.

وَيَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْعُمُومَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ، وَمَا غَلَبَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ، وَمَا تَسَاوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَوَّلُهُمَا، جَوَازُهُ؛ لِدُخُولِهِمْ، فِي عُمُومِ لَفْظِهِ، وَوُجُودِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِجَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ. فَأَمَّا مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ غَيْرَ هَؤُلَاءِ، فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، كَمَا يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِمْ.

[مَسْأَلَة شِرَاءُ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الطِّفْلِ]

(٣٧٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَشِرَاءُ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الطِّفْلِ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ) . يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ. وَيَبِيعَ وَلَدَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَزَادُوا الْجَدَّ، فَأَبَاحُوا لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا وَقَابِلًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يَلِي بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، كَالْأَبِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَالسَّيِّدِ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ. وَلَا نُسَلِّمُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدِ لِغَيْرِهِ.

فَأَمَّا الْجَدُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِ ابْنِهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ. وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ مُنْتَفِيَةٌ، إذْ مِنْ طَبْعِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَالْمَيْلُ لَهُ، وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ. وَفَارَقَ الْجَدَّ وَالْوَصِيَّ وَالْحَاكِمَ وَأَمِينَهُ؛ فَإِنَّ التُّهْمَةَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ فِي حَقِّهِمْ.

وَأَمَّا تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ، فَيَجُوزُ، بِدَلِيلِ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَلَا نُسَلِّمُ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ، بَلْ يَجُوزُ بِدَلِيلِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِابْنَةِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُك. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَإِنَّ التُّهْمَةَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ ثَمَّ.

[مَسْأَلَة فَعَلَ الْوَكِيل بَعْدَ فَسْخِ الْمُوَكِّل أَوْ مَوْتِهِ]

(٣٧٧٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَا فَعَلَ الْوَكِيلُ بَعْدَ فَسْخِ الْمُوَكِّلِ أَوْ مَوْتِهِ فَبَاطِلٌ) . وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ مَتَى شَاءَ، وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالُهُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ. وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِمَوْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>