للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ وَطِئَهَا، انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا، وَاخْتِيَارِهِ إمْسَاكَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا طَلَاقًا رَجْعِيَّا، كَانَ ارْتِجَاعًا لَهَا، فَإِذَا اقْتَضَى رَجْعَتَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا، فَلَأَنْ يَقْتَضِيَ اسْتِبْقَاءَهَا عَلَى نِكَاحِهَا وَمَنْعَ طَلَاقِهَا أَوْلَى. وَإِنْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ قَبَّلَهَا، أَوْ فَعَلَ بِهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ، فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِهِ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ، أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا، أَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ، انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ لَا يَبْقَى لَهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الرُّجُوعَ عَنْ بَيْعِهِ. وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْعَبْدِ لَمْ يَزُلْ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

[مَسْأَلَة وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَى غَيْرَهُ]

(٣٧٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَاشْتَرَى غَيْرَهُ، كَانَ الْآمِرُ مُخَيَّرًا فِي قَبُولِ الشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، لَزِمَ الْوَكِيلَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، فَاشْتَرَى غَيْرَ مَا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ، مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَيَشْتَرِيَ جَارِيَةً، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَ ثَمَنَهُ، فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَهُ عَلَى أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِهِ لِغَيْرِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، الشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ غَيْرِهِ، فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ وَقَدْ أَجَازَهُ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِإِذْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَزِمَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي شِرَائِهِ، وَلَزِمَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَدَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا لِلَّذِي قَصَدَ الشِّرَاءَ لَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>