للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَا جَمِيعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ.

وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ إلَّا دِرْهَمًا، جَعَلْنَا كَلَامَهُ لَغْوًا، وَإِضْرَابَهُ عَنْهُ غَيْرَ مُفِيدٍ، وَالْأَصْلُ فِي كَلَامِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا. وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَضْرَبَ عَنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ، وَلَا بَعْضَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ أَوْ دِينَارَانِ. أَوْ: لَهُ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ. أَوْ: هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هَذَانِ. لَزِمَهُ الْجَمِيعُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِيَ وَلَا بَعْضَهُ، فَكَانَ مُقِرًّا، بِهِمَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ جُمْلَتَيْنِ أَقَرَّ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأُخْرَى، لَزِمَاهُ.

وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ، بَلْ دِرْهَمٌ. أَوْ عَشْرَةٌ، بَلْ تِسْعَةٌ. لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ وَاحِدٍ، وَنَفَاهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ نَفْيُهُ لَهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي شَيْئًا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِذَا قَالَ: عَشْرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا. كَانَ مَعْنَاهُ تِسْعَةً.

[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ]

(٣٨٤٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَإِنْ قَالَ: قَبْلَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْدَهُ دِرْهَمٌ. لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ " قَبْلُ " وَ " بَعْدُ " تُسْتَعْمَلُ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْوُجُوبِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فَوْقَ دِرْهَمٍ فِي الْجَوْدَةِ، أَوْ فَوْقَ دِرْهَمٍ لِي، وَكَذَلِكَ تَحْتَ دِرْهَمٍ.

وَقَوْلُهُ: مَعَهُ دِرْهَمٌ. يَحْتَمِلُ مَعَهُ دِرْهَمٌ لِي وَكَذَلِكَ مَعَ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَجِبْ الزَّائِدُ بِالِاحْتِمَالِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَجْرِي مَجْرَى الْعَطْفِ، لِكَوْنِهِ يَقْتَضِي ضَمَّ دِرْهَمٍ آخَرَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْإِقْرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إقْرَارٌ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " عَلَيَّ " يَقْتَضِي فِي ذِمَّتِي، وَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَا فَوْقَهُ، وَلَا تَحْتَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ قَالَ: فَوْقَ دِرْهَمٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ " فَوْقَ " تَقْتَضِي فِي الظَّاهِرِ الزِّيَادَةَ. وَإِنْ قَالَ: تَحْتَ دِرْهَمٍ. لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ " تَحْت " تَقْتَضِي النَّقْصَ.

وَلَنَا، إنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى مَعْنَى الْعَطْفِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الصِّفَةِ لِلدِّرْهَمِ الْمُقَرِّ بِهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ دِرْهَمًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ ذَكَرَهُ بِمَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْجَوْدَةِ أَوْ نَقْصَهَا. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِينَارٌ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ مَعَ ذَلِكَ. فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي الدِّرْهَمِ سَوَاءٌ.

[فَصْلٌ قَالَ لَهُ مَا عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ]

(٣٨٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ مَا عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ. لَزِمَتْهُ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَا بَيْنَهُمَا. وَإِنْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>