للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُمْت الشَّهْرَ إلَّا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَيُقَالُ: لَقِيت الْقَوْمَ جَمِيعَهُمْ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَقِيت الْقَوْمَ إلَّا أَكْثَرَهُمْ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فِي الْكَلَامِ، لَمْ يَرْتَفِعْ بِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، بَلْ خَمْسَةٌ. فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ التَّنْزِيلِ، فَإِنَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى اسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهُمْ الْأَقَلُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: ٢٤] .

وَفِي الْأُخْرَى اسْتَثْنَى الْغَاوِينَ مِنْ الْعِبَادِ وَهُمْ الْأَقَلُّ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنْ الْعِبَادِ، وَهُمْ غَيْرُ غَاوِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦] . وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] مُبْقًى عَلَى عُمُومِهِ، لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢] . أَيْ لَكِنْ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ فَإِنَّهُمْ غَوَوْا بِاتِّبَاعِك.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى لِأَتْبَاعِهِ {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: ٢٢] . وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ. وَأَمَّا الْبَيْتُ فَقَالَ ابْنُ فَضَالٍ النَّحْوِيُّ: هُوَ بَيْتٌ مَصْنُوعٌ، لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْعَرَبِ. عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَهُ كَلِمَاتٌ مَخْصُوصَةٌ لَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ: ثُمَّ نُعَارِضُهُ بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ، أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي الْأَقَلِّ وَحَسَّنَتْهُ، وَنَفَتْهُ فِي الْأَكْثَرِ وَقَبَّحَتْهُ، فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ مَا قَبَّحُوهُ عَلَى مَا جَوَّزُوهُ وَحَسَّنُوهُ.

[فَصْلٌ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ فِي الْإِقْرَار]

(٣٨٥٢) فَصْلٌ: وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِتَخْصِيصِهِ الْإِبْطَالَ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ، فَجَازَ كَالْأَقَلِّ.

وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي كَلَامِهِمْ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الْكَثِيرِ، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. .

[فَصْلٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا سَبْعَةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ]

(٣٨٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، إلَّا سَبْعَةً، إلَّا خَمْسَةً، إلَّا دِرْهَمَيْنِ. صَحَّ، وَكَانَ مُقِرًّا بِسِتَّةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ سَقَطَ إنْ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَصَلَهُ بِاسْتِثْنَاءِ آخَر اسْتَعْمَلْنَاهُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>